٥- على الرغم مما في مذهب الكوفيين من بساطة ويسر، وبعد عن التكلف والتأويل والتقدير -في الغالب- فأخطر ما يعيبه أنه ربما يوقع في الفوضى والاضطراب في ظواهر اللغة. لأن شرط كل لغة أن تكون لها ظواهر مطردة منسجمة موحدة. فلو أننا جوزنا في الظاهرة الواحدة أكثر من وجه، ولو أننا سمحنا باستخدام التعبير لمجرد وجود مثال واحد ربما كان من بقايا لهجات قديمة أو لثغة أو ضرورة أو نحوها لما أصبح للغة قيود وقواعد، ولصح قول بعضهم:"لا تخرج من الكلام فمهما أخطأت فستجد لك وجهًا في العربية تصح به عبارتك".
وتخيل معي شخصًا يرفع المفعول به، أو ينصب الفاعل، أو يلزم المثنى الألف في الرفع والنصب والجر، أو يلزم جمع المذكر السالم الياء أو الواو، أو يرفع الجزأين بعد كان، أو ينصب الجزأين بعد أن، أو يصرف الممنوع من الصرف، أو يمنع المصروف من الصرف، أو ينعت المرفوع بمنصوب أو المنصوب بمرفوع.. أو.. أو ... فأي شيء يبقى لقواعد اللغة؟ وأي شيء نستفيده -سوى الفوضى والاضطراب- لو تمسكنا بالشواهد القليلة التي جاءت مؤيدة لذلك؟ وعلى هذا فمن الخير أن نتبع طريق البصريين في وضع القواعد دفعًا للفوضى والاضطراب، ولكن بدون لجوء إلى تأويل وتقدير، وبدون تحكيم للمنطق والقياس النظري، ومع الاقتصار على اللغة النموذجية الأدبية المشتركة. أما في متن الكلمات، وفي الجموع، والمصادر، والمشتقات وأمثالها مما يتعلق بصوغ الألفاظ وبناء هياكلها ومادتها الأصلية وتقيمها وتأخيرها وذكرها وحذفها فنتبع طريق الكوفيين، ونرجع إلى القياس بمعناه العام الذي يبيح لنا محاكاة الكلام العربي الفصيح مهما كان قائله١. وبذلك نوسع أصول اللغة وننمى مواردها، ونفتح طرقًا يزداد بها بيان اللغة سعة على سعته. ومن أمثلة ذلك: