للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المصدر لا بد من إعراب يعرب به. وقد وقعوا بذلك في تكلفات لم يقع فيها نحاة الكوفة واخترعوا لنا ما سموه بالمصدر المتصيد. وقد حمل البصريين على سلوك هذا المسلك الوعر قاعدتهم المنطقية التي تقول: "إن الحروف لا تعمل إلا إذا كانت مختصة".

فما دامت هذه الحروف تدخل على الأسماء والأفعال فلا يصح أن تعمل، وإذا كانت هذه الحروف لا تعمل في الفعل فلا بد من التفتيش عن العامل، وقد وجدوه في "أن" المستترة. ولكن هل اللغة منطقية إلى هذا الحد؟ وانظر أيضًا إلى ما قاله البصريون من عدم جواز أن يلي كان معمول خبرها، وحين ووجهوا بقول الشاعر:

بما كان إياهم عطية عودا

قالوا: إن في كان ضمير شأن هو اسمها، وعطية مبتدأ وعود خبره وإياهم مفعول به لعود، والجملة من المبتدأ والخبر خبر كان. فلم كل هذا العناء؟ ولماذا نضع القاعدة مسبقًا ثم نلوي الشواهد النحوية لتخضع لهم؟ وما أثر كل هذا في تصحيح نطقنا أو تقويم لساننا؟ وأحيانًا كان البصريون يرجون أنفسهم فيرمون الشاهد بالندرة أو الشذوذ أو الخطأ، وليست تخطئات ابن أبي إسحاق للفرزدق علينا ببعيدة.

وهذا أيضًا غريب، ويعجبني في هذا ما يقوله العكبري: "كيف نجعل ما وضعه البصريون للتقريب والتعليم مما لا أصل له ولا ثبات حجة على لسان العرب الفصحاء؟ "١ وقد كان أكرم للبصريين أن يحذوا حذو شيخهم أبي عمرو ابن العلاء. فقد سئل ذات يوم: "أخبرني عما وضعت مما سميته عربية، أيدخل فيها كلام العرب كله؟ فقال: لا. فقيل له: كيف تصنع فيما خالفتك فيه العرب وهو حجة؟ فقال: أعمل على الأكثر وأسمي ما خالفني لغات"٢.


١ عباس حسن: اللغة والنحو، ص ٩٢.
٢ شوقي ضيف "المدارس النحوية، ص ٢٧، ٢٨.

<<  <   >  >>