وتظهر أهمية كتب الرجال في نوع من الدراسات التأريخية التي ظهرت حديثا وهي ما يسمى بعلم "تأريخ التأريخ" الذي يتعرض لدراسة الأصول التي استقى منها المؤخرون مادتهم ونقد هذه الأصول حيث تقدم كتب الرجال معلومات لها أهمية بالغة في التعريف برواة الأخبارة وبيان أحوالهم وعقائدهم وأخلاقهم مما يلقي ضوءا على دوافعهم وأغراضهم، وقد مكن من الإفادة من كتب الرجال في هذا المجال المشاركة الجدية التي قام بها المحدثون في نقل الأخبار١ إلى جانب رواية الحديث التي جعلت كتب الرجال تترجم لهم، ولكن ينبغي أن لا يبالغ في ذلك فإن معظم التراجم التي ذكرتها كتب الرجال قصيرة والمعلومات التي أوردتها مقتضبة ولكنها في حالات كثيرة تنفرد بها مما يجعل لها أهمية كبيرة.
ويبرز تأثير علم الرجال على كتب التراجم من حيث الشكل والمحتوى رغم أن كتب التراجم لم تقتصر على رجال الحديث، بل تناولت أيضا الملوك والأمراء والولاة والقضاة والشعراء والأدباء والقراء وغيرهم، فترتيب مادة الترجمة من حيث الاهتمام بضبط الأسماء وذكر الأنساب وبيان الصفات الخلقية والعقلية والجسمية وذكر شيوخ المترجم وتلاميذه وبعض مروياته أحيانا والاعتناء بذكر سني الوفيات، وهذه التراجم لا تختلف في طبيعة المادة ولا التنظيم عما هي عليه في كتب الرجال.
ويظهر أثر علم الرجال في التنظيم العام الذي اتبعته كتب التراجم في ترتيب مادتها، فالتنظيم على الطبقات أو على حروف المعجم هما أساس ترتيب كتب التراجم، وقد سبقت كتب الرجال إلى استعمال هذين الأساسين في عرض مادتها.
وقد لا يكون من المجازفة القول أن كتب التراجم ليست إلا تقليدا لكتب الرجال مع توسيع النطاق بإدخال تراجم لا علاقة لها برواة الحديث، ومع توسع أكثر في الكلام عن أحوال الرجال وأخبارهم.
١ يمكن التأكد من ذلك بملاحظة الشيوخ الذين نقل عنهم خليفة بن خياط ومحمد بن سعد والطبري.