للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[علم الرجال والنقد التاريخي]

إن مناهج المحدثين في نقد رجال الحديث كان لها أثر كبير في تطور وتنمو نقد المصادر والتحري عن الحقيقة ببيان مكانة ناقليها من الصدق والاتقان، قد اشترط المحدثون في الراوي أن يكون متصفا بالعدالة والضبط لقبول الأحاديث التي يرويها، ومن أجل بيان أحوال العدد الهائل من الرواة ألفوا كتب الرجال.

وقد أوضحت كتب مصطلح الحديث التي تبلورت فيها قواعد نقد الحديث طريقة الاستفادة من كتب الرجال، وبطبيعة الحال فإن هذه القواعد وضعت خصيصا لنقد الحديث. ولكن بسبب اشتغال كثير من المحدثين في التاريخ فإن قواعد النقد هذه استعملت -إلى حد ما- في التاريخ أيضا، وقد ساعد على ذلك أن الروايت التأريخية كانت تتصدرها الأسانيد كما هو شأن الأحاديث، كما أن مقاييس المحدثين سرت إلى علم التاريخ فقد اشترطوا في المؤرخ ما اشترطوه في رواة الحديث من العدالة والضبط١، وبذلك أمكن تطبيق قواعد نقد الحديث في نقد الروايات التأريخية أيضا، ولكن ذلك لم يتم بنفس الدقة، بل حدث تساهل كبير في ميدان التأريخ, فالمؤرخون الأوائل مثل خليفة بن خياط والطبري استقوا كثيرا من مادتهم التأريخية عن رواة ضعفهم أهل الحديث، وبذلك لم يتشددوا في نقد رواة الأخبار كما فعلوا بالنسبة لرواة الحديث، لان الحديث تترتب عليه الأحكام الشرعية، لذلك رفض العلماء الاحتجاج بالأحاديث ذات الأسانيد المنقطعة في حين قبلوا ذلك في الروايات التأريخية، ولم يجدوا بأسا في استعمال صيغ التمريض في بيان طرق التحمل


١ الكافيجي: المختصر في علم التأريخ، ٣٣٦. يقول: "وينبغي أن يشترط في المؤرخ ما يشترط في راوي الحديث من أربعة أمور: العقل والضبط والإسلام والعدالة".
والسخاوي: الاعلان بالتوبيخ، ٤٩٩-٥٠٠.

<<  <   >  >>