بالنسبة للروايات التأريخية، وهكذا ميز العلماء منذ فترة مبكرة بين "التاريخ" و"الحديث"، فلم يطبقوا قواعد نقد الحديث بدقة في نطاق التاريخ.
وعندما يقوم المؤرخون اليوم بمحاولة تدقيق مصادرنا التأريخية ونقدها فإن بالإمكان الاستفادة من قواعد نقد الحديث وعلم الرجال في ترجيح الروايات التاريخية المتعارضة كأن تكون إحدى الروايتين المتعارضتين بإسناد متصل رجاله ثقات، والأخرى وردت بإسناد منقطع أو عن طريق رواة مجروحين، فعندئذ ينبغي ترجيح الرواية الأولى على الثانية. كما أن استعمال قواعد المصطلح في نقد الروايات التأريخية ينبغي أن يشتد على قدر تعلق المادة بالأحداث الخطيرة التي تؤثر فيها الهواء ويشتط عندها الرواة كأن تكون الروايات لها مساس بالعقائد كالفتن التي حدثت في جيل الصحابة أو ذات صلة بالأحكام الشرعية كالسوابق الفقهية فإن التشدد في قبولها يجعل استعمال قواعد نقد الحديث بدقة أمرا مقبولا. وعلى ذلك فإن مدى تطبيق قواعد نقد الحديث في التأريخ أمر نسبي تحدده طبيعة الروايات، وقد نبه الكافيجي على ذلك بقوله:"يجوز للمؤرخ أن يروي في تاريخه قولا ضعيفا في باب الترغيب والترهيب والاعتبار مع التنبيه على ضعفه، ولكن لا يجوز له ذلك في ذات البارئ عز وجل وفي صفاته ولا في الأحكام وهكذا جواز رواية الحديث الضعيف على ما ذكر من التفصيل المذكور"١.
لقد ظلت مقاييس المحدثين واتجاهاتهم في النقد سارية في ميدان التاريخ حتى فترة متأخرة حيث ظهر أثر ذلك فيما كتبه الكافيجي والسخاوي عن علم التاريخ. ولكن هذه المقاييس أغفلت كثيرا في البحوث التاريخية الحديثة ولم يفطن الباحثون إلى هذا الكنز الثمين، ومن ثم فإن الاعتماد في النقد التاريخي انصب على ما أنتجه الغربيون في حقل الميثودولوجي ولا شك أن استعمال الغربيين لقواعد النقد العلمي في حقل الدراسات الإنسانية كان