للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا أنه كثر الكذب على علي في تلك الأيام١ ولكن هذا لا يعني أن سائر الأحاديث كانت تروى باسانيد تامة، فالصحابة لم يلتزموا ذكر إسناد الحديث عندما لا يكون الصحابي قد سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بل من صحابي آخر وقد صرح بذلك قول البراء "ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه، منه ما سمعناه منه، ومنه ما حدثنا أصحابنا ونحن لا نكذب"٢ فهم إذا لم يكونوا يميزون بين ما نقلوه عن النبي مباشرة وما نقلوه عنه بواسطة من سمعه منه من الصحابة لعدم إسنادهم للحديث وقد علل البراء ذلك بعدم وقوع الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه فكان الصحابي يستمع الحديث من صحابي آخر فكانه سمعه بأذنيه من النبي صلى الله عليه وسلم. ومع وثوق الناس بالصحابة فقد كانوا يسألونهم أحيانا عن إسناد أحاديثهم، ولكن السؤال عن الإسناد في البدء لم يكن مستساغا بل قد يكون مدعاة لغضب الصحابي "وكان أنس بن مالك إذا سئل عن حديث أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب ويقول ما كان بعضنا يكذب على بعض"٣، وقد ازداد السؤال عن الإسناد في جيل التابعين فسئل الحسن البصري "ت١١٠هـ" عن إسناد مراسيله "قال رجل للحسن إنك تحدثنا فتقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كنت تسند إلى من حدثك؟ فقال له أنا والله ما كذبنا ولا كذبنا، ولقد غزوت غزوة إلى خراسان ومعنا ثلثمائة من أصحاب محمد"٤، فالحسن البصري اعتذر عن عدم إسناده لحديثه بأنه تلقى ذلك عن الصحابة الكثيرين الذين لقيهم وهم أهل صدق وورع وما داموا جميعا لا يكذبون فإن عدم ذكرهم لا يقلل من أهمية الرواية.


١ شرح علل الترمذي ٨٢-٨٣ ط. د. عتر.
٢ ابن عدي: الكامل ١/ ٥٠ ب. وقول البراء هذا من طريق الأعمش عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء، والسبيعي مدلس من الطبقة الثالثة من طبقات المدلسين عند الحافظ ابن حجر وقد عنعن، وكذلك الأعمش فإنه مدلس. وله شاهد من حديث أنس رواه ابن عدي في الكامل ١/ ٢٤٨ "ط. صبحي البدري" وفي إسناده أحمد بن الحارث بن مسكين أنكر عليه الطحاوي روايته عن أبيه، وهذه الرواية مما رواه عن أبيه.
٣ ابن الصلاح: مقدمة/ ٣٨ والعراقي: فتح المغيث ١/ ١٢٥.
٤ ابن عدي. الكامل ١/ ٥١ ب.

<<  <   >  >>