ولما آل الأمر إلى بني العباس، وكان من أول همهم جمع القلوب حولهم والقضاء على مظالم الأمويين وإزالة أسباب الشكاية من سياستهم وجهوا عنايتهم إلى المالية وشددوا الرقابة على جباة الأموال حتى لا يجوروا، وأخذت الحال المالية تتحسن، حتى كان عهد الرشيد، فسأل قاضيه أبا يوسف أن يضع له نظاما شرعيا عادلا يتبع في جباية الخراج والعشور والصدقات، لا جور فيه على الملاك ولا إهمال للمصالح العامة، فوضع -ضي الله عنه-كتابه المسمى بالخراج، وهو كما قدمنا خير أساس لنظام مالي عادل، وقد سار عليه الرشيد وكان من سيره عليه أن زادت ثروة البلاد في ذلك العهد للدولة والأفراد حتى إن بعض أخبار الثراء في ذلك العهد لا تكاد تصدق! ولما دب دبيب الضعف وثارت الحروب الداخلية في هذه الدولة، أصاب ماليتها ما أصابها من قبل في عهد الأمويين فاختلت، ولم يراع في جبايتها ولا في فرضها نظام ولا مصلحة! ولما انقسمت الدولة الإسلامية إلى عدة دول، لم يكن النظام المالي لواحدة منها على السنن الشرعي {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} ١.