فالفقهاء أرادوا بها التوسعة على ولاة الأمر في أن يعلموا ما تقتضي به المصلحة مما لا يخالف أصول الدين وإن لم يقم عليه دليل خاص.
قال صاحب البحر في باب حد الزنا:
"وظاهر كلامهم ههنا أن السياسة: هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها وإن لن يرد بذلك الفعل دليل جزئي".
فالسياسة الشرعية على هذا هي العمل بالمصالح المرسلة لأن المصلحة المرسلة هي التي لم يقم من الشارع دليل على اعتبارها أو إلغائها.
وغير الفقهاء أرادوا بها معنى أعم من هذا يتبادر من اللفظ ويتصل باستعماله اللغوي وهو تدبير مصالح العباد على وفق الشرع.
قال المقريزي في خططه:"ويقال ساس الأمر سياسة بمعنى قام به وهو سائس من قوم ساسة وسوس. وسوسه القوم جعلوه يسوسهم ...
"فهذا أصل وضع السياسة في اللغة. ثم رسمت بأنها القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأحوال. والسياسة نوعان سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر فهي من الأحكام الشرعية علمها من عملها وجهلها من جهلها. وقد صنف الناس في السياسة الشرعية كتبًا متعددة. والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها".
ولما كان هذان المعنيان غير متباينين وبينهما صلة وثيقة من ناحية أن تدبير المصالح على الوجه الأكمل لا يتم إلا إذا كان ولاة الأمر في سعة من العمل بالمصالح المرسلة، وكذلك البحوث المقررة هي شعب من