وهذه الرياسة العليا مكانتها من الحكومة الإسلامية مكانة الرياسة العليا من أية حكومة دستورية، لأن الخليفة إنما يستمد سلطانه من الأمة الممثلة في أولي الحل والعقد ويعتمد في بقاء هذا السلطان على ثقتهم به ونظره في مصالحهم، ولهذا قرر علماء المسلمين أن للأمة خلع الخليفة لسبب يوجبه، وإن أدى إلى الفتنة احتمل أولى المضرتين وعللوا هذا بأن من ملك المسئولية ليستقيم الأمر يملك العزل عند اعوجاجه، وأبو بكر الصديق أول من ولي الخلافة قال في فاتحة خطبته:"أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم. فإن أحسنت فأعينوني، وإن صدقت فقوموني" وقال في خاتمتها: "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم". وروي مثل هذا عن عمر وعثمان مما يؤيد إيمانهم بسلطة الأمة عليهم وشعورهم بالمسئولية أمامها.
وإنما تختلف الخلافة عن سائر الرياسات العليا في الحكومات الدستورية في أن الخلافة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا وكما أن الخليفة تشمل ولايته التشريع والقضاء والتنفيذ وغير هذا مما تقتضي به سياسة الملك ونظام الشئون الدنيوية فإن له أيضًا إمامة الصلاة وإمارة الحج والإذن بإقامة الشعائر في المساجد والخطبة في الجمع والأعياد، وغير هذا من الشئون الدينية. ومنشأ الجمع بين الولايتين له أن الغاية من إقامته ومبايعته أن يقوم بحراسة الدين وسياسة الدنيا به، وذلك قاض بأن يكون له النظر في الشئون الدينية والدنيوية معًا، وكذلك جميع الشئون هي وسائل لإصلاح الرعية واستقامة أمورها، وهذا الإصلاح هو الغاية