ويعتدي على المؤمنين فالله تعالى لا يفرض علينا القتال لأجل سفك الدماء وإزهاق الأرواح ولا لأجل الطمع في الكسب، ولقد كانت حروب الصحابة في الصدر الأول لأجل حماية الدعوة ومنع المسلمين تغلب الظالمين لا لأجل العدوان، فالروم كانوا يعتدون على حدود البلاد العربية التي دخلت في حوزة الإسلام ويؤذونهم وأولياءهم من العرب المتنصرة ومن يظفرون به من المسلمين. وكان الفرس أشد إيذاء للمؤمنين منهم فقد فرقوا كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ورفضوا دعوته وهددوا رسوله وكذلك كانوا يفعلون. وما كان بعد ذلك من الفتوحات اقتضته طبيعة الملك ولم يكن كله موافقًا لأحكام الدين فإن طبيعة الكون أن يبسط القوي يده على جاره الضعيف. ولم تعرف أمة قوية أرحم في فتوحاتها بالضعفاء من الأمة العربية شهد لها علماء الإفرنج بذلك.
وجملة القول في القتال أنه شرع للدفاع عن الحق وأهله وحماية الدعوة ونشرها فعلى من يدعي من الملوك والأمراء أنه يحارب للدين أن يحمي الدعوة الإسلامية ويعد لها عدتها من العلم والحجة بحسب حال العصر وعلومه ويقرن ذلك بالاستعداد التام لحمايتها من العدوان ومن عرف حال الدعاة إلى الدين عند الأمم الحية وطرق الاستعداد لحمايتهم يعرف ما يحب على المسلمين في ذلك وما ينبغي في هذا العصر.
وبما قررناه بطل ما يهذي به أعداء الإسلام حتى من المنتمين إليه من زعمهم أن الإسلام قام بالسيف، وقول الجاهلين والمتعصبين أنه ليس دينًا إلهًيا لأن الإله الرحيم لا يأمر بسفك الدماء وأن العقائد الإسلامية خطر على المدنية فكل ذلك باطل، والإسلام هو الرحمة العامة