للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا كله مع ما كان عليه شيخ الإسلام من جهاد عظيم، ونشر للمعتقد السليم، ورد على المنحرفين، مما استدعى غيظ الأعداء، وحسد الأقران، وعداوة أهل الأهواء، فما زالوا في مكرهم وسعايتهم به، حتى استطاعوا أن يصلوا إلى الأبواب السلطانية، فجاء أمر السلطان (١) من مصر إلى نائبه جمال الدين الأفرم في دمشق، بأن يعقد مجلساً لشيخ الإسلام يحضر فيه الفقهاء والقضاة والعلماء، يحاققه فيه عن معتقده، ويسأله عن عقيدته ومذهبه.

فعقد له نائب السلطنة، مجالس ثلاثة (٢)، ناظره فيها علماء عصره، وفقهاء وقته، حول هذا المتن العظيم متن العقيدة الواسطية، وجرت في هذه المجالس مباحث كثيرة وحوارات عديدة، أظهر الله فيها من قيام الحجة، ورفع راية السنة، وقمع أهل البدعة والفتنة، وبروز علم شيخ الإسلام وحسن فقههِ وفهمهِ، الشيء العظيم الجليل.


(١) هو السلطان محمد بن قلاوون بن عبد الله الصالحي، سبقت ترجمته (ص:٥٩).
(٢) المجلس الأول: يوم الاثنين الثامن من شهر رجب سنة ٧٠٥ هـ، واستمر من الضحى إلى قريب العصر، وذكر ابن حجر في الدرر الكامنة وتبعه الشوكاني أنه في السابع من رجب، والصواب أنه في الثامن منه كما ذكر ذلك شيخ الإسلام نفسه، ونص عليه بقية من حكى هذه الواقعة من العلماء.
المجلس الثاني: يوم الجمعة الثاني عشر من شهر رجب في السنة نفسها، بعد صلاة الجمعة، كما نص على ذلك شيخ الإسلام وجميع المترجمين، إلا أن صاحب (كنز الدرر) وهم في ذلك فجعله في الثامن عشر من رجب.
المجلس الثالث: وقد اختلفت الروايات في يوم وقوعه، فذكر ابن كثير وابن عبد الهادي أنه في السابع من شهر شعبان في السنة المذكورة، وذكر قطب الدين اليونيني صاحب (ذيل مرآة الزمان) وابن أيبك وشهاب الدين النويري وابن حجر أنها كانت في سلخ رجب أي في آخره، وذكر المقريزي أنها في التاسع من شعبان وما ذكره بعيد؛ لأنه انفرد به وهو متأخر لم يعاصر شيخ الإسلام، فيبقى الخلاف بين القولين السابقين، ويصعب الترجيح بينهما، خصوصاً أن شيخ الإسلام لم يذكر في موعد هذا المجلس شيئاً، بخلاف ما ذكره في المجلسين السابقين، والرواية الأولى رواتها أوثق، والرواية الثانية رواتها أقدم، وهي أيضاً أقرب زمناً إلى المجلسين السابقين؛ إذ هي في شهر رجب نفسه، والله أعلم.

<<  <   >  >>