ظلت مصر ملجأ آمناً لآل علي بن أبي طالب إلى أن جاء زمن المتوكل العباسي، وكان يبغض العلويين، فأمر واليه في مصر بإخراج آل علي بن أبي طالب منها فأخرجوا من الفسطاط إلى العراق في عام ٢٣٦هـ ثم نقلوا إلى المدينة في العام نفسه، " واستتر من كان بمصر على رأي العلوية ". ثم اشتدت حركة العلويين على مر الزمن، في العلم العربي كله، وازدادت هجرتهم إلى مصر. وإذا كان ابن طولون قد أوى جماعات منهم ولا سيما من لجأوا إليه خوفاً من بطش خصومه العباسيين، فقد كان في الوقت نفسه لا يتهاون مع الثائرين منهم الذين اتخذوا من الأطراف الشمالية الغربية، وأقصى الصعيد مسرحاً لثوراتهم. وكذلك سائر القرشيين، كان أمراء هذه العهود ينظرون إليهم - في أكثر الأحيان - نظرة ملؤها الريبة، اعتقاداً منهم أن لهم أطماعاً سياسية، والعرب من قديم يعرفون فضل قريش في الإسلام، ويسعون إلى شرف الانتماء اليهم، والوقوف إلى جانبهم. ولعل أول حركة قامت في مصر في هذه المرحلة وكانت بزعامة قرشية لا تدين برأي العلوية، هي الحركة التي قادها في الصعيد أبو عبد الرحمن عبد الحميد العُمري، في سنة ٢٥٥هـ، في أوائل حكم ابن طولون، والعُمري ينتسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جمع حشوداً من ربيعة وجهينة وغيرهما، وزحف إلى الجنوب نحو بلاد النوبة والبجة. وكان المسلمون في هذه المناطق قد ضاقوا ذرعاً بغارات البحة على مساكنهم وإفزاعهم المصلين منهم عن صلاتهم كما حدث في يوم صلاة العيد. فخرج العُمري وجموعه إلى بلاد البجة " غضباً لله وللمسلمين " كما يقول المؤرخون. وواصل غاراته على البجة والنوبة حتى أخذ من البجة الجزية ولم يفعلها جيش من قبل. ولم يكن لابن طولون علم بهذه الغزوة، فلما علم بخبرها أرسل إليه جيشاً لمحاربته. ولولا تدخل ابن طولون من ناحية، وأقسام القبائل التي صحبت العمري وخروج بعضها عليه من ناحية أخرى، لتمكن العمري من تكوين إمارة عربية في بلاد البجة تحت زعامته، ولعلها كانت تكون أول إمارة عربية في سودان وادي النيل. ومن المهم أن نذكر أن هذه الحملة - إلى جانب أسبابها الظاهرة التي أشرنا إليها - كانت تعبيراً عن الضيق الذي أحسه العرب في هذه الفترة، من طغيان