لطوله وانحناء قامته، وبلغ من قوته أن نادى بالسلطة لنفسه، وجلس في جتر، وجعل خلفه المسند، وأجلس العرب حوله، ومد السماط بين يديه، وأنفذ أمره في الفلاحين، فلما عظم أمره عقد أمراء المماليك المشورة في عام ٧٥٤هـ في أمر عرب الصعيد، وقرروا تجريد العسكر لهم. " فحشد محمد بن واصل شيخ عرك جموعه، وصمم على لقاء الأمراء، وحلف أصحابه على ذلك. وقد اجتمع معه عرب منفلوط وعرب الراغة، وبني كلب، وجهينة، وعرك، حتى تجاوزت فرسانه عشرة آلاف فارس تحمل السلاح سوى الرجالة المعدة، فإنها لا تعد ولا تحصى لكثرتهم، وجمع الأحدب مواشي أصحابه كلهم وأموالهم وغلالهم وحريمهم وأولادهم، وأقام ينتظر قدوم العسكر " وشن المماليك الحملة عليهم، وبعث أمراء المماليك " ليؤمن بني هلال أعداء عرك، ويحضرهم ليقاتلوا عرك أعداءهم، فانخدعوا بذلك، وفرحوا به، وركبوا بأسلحتهم، وقدموا في أربعمائة فارس، فما هو إلا أن وصلوا إلى الأمير شيخو " قائد المماليك " حتى أمر بأسلحتهم وخيولهم فأخذت بأسرها ووضع فيهم السيف، فأفناهم جميعاً ". وقامت معارك عنيفة بين الحلف العركي والمماليك، وقتل من الجانبين خلق كثير، وطورد العرب إلى بلاد السودان، " ولم يبقى بدوي في صعيد مصر " ووصف ابن إياس نهاية هذه المعركة فقال: " ثم إن الأمراء مشوا وراء العربان الذين هربوا مسيرة سبعة أيام حتى دخلوا أطراف بلاد الزنج، ثم رجع الأمراء والسلطان إلى الديار المصرية ". وصفوة القول أن جهينة في الفترة التي بين ٦٩٨ - ٧٥٤هـ كان لها نصيب وافر في المقاومة، وأن هذه الحركة انتهت بهجرة كثير منهم إلى بلاد السودان. ومن الممكن أن نربط بين هذه الأحداث وبين ما ذكره ابن خلدون في قوله: وانتشروا " أي جهينة أو جيهنة وبلى معاً " ما بين صعيد مصر والحبشة، وكاثروا هنالك سائر الأمم، وغلبوا على بلاد النوبة، وفرقوا كلمتهم وأزالوا ملكهم. وحاربوا الحبشة فأرهقوهم إلى هذا العهد ". ولفظ الحبشة هنا اصطلاح جرى عليه المسعودي وغيره للدلالة على بلاد السودان بمعناها العام. ومن المحتمل أن تكون جموع من بلى قد اشتركت في هذه الأحداث، كما