للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هجرة المغاربة إلى مصر قديمة العهد. والطريق المغربي الذي يصل بلاد المغرب بمصر؛ كان معبراً مفتوحاً منذ أقدم العصور، ولكن بعد نزول العرب المسلمين في بلاد المغرب واختلاطهم بالبربر، قام التعرب الثقافي إلى جانب التعرب السلالي في بلاد المغرب بصورة تلفت النظر، ومثلت قبائل المغرب دوراً هاماً في تاريخ العروبة في مصر وشمالي إفريقية وبلاد السودان من السنغال في أقصى الغرب إلى الصومال في أقصى الشرق. وكان للفاطميين أثر لا ينكر في هجرة جموع كبيرة من قبائل البربر المتعربة إلى مصر، فمن المعلوم أن الفاطميين قد اعتمدوا في تأسيس دولتهم في المغرب على هذه القبائل، وكان في جيشهم فرق منهم، وكان من الطبيعي أن تنتقل جموع منهم إلى مصر بانتقال الفاطميين إليها. ولهذا يعد العصر الفاطمي مرحلة هامة في تاريخ الهجرات المغربية إلى مصر، ففي هذا العصر انتقلت موجات كبيرة من المغرب، واستقرت في الجانب الغربي لمصر، في غربي الدلتا، والبحيرة والفيوم، والواحات وسائر الجهات الغربية من صعيد مصر. وربما اتجهت بعض قبائل المغرب شرقا، كما فعلت " لواتة " فتجاوزت شرقاً وعبرت منقطع الرمل، ثم نزلت في الجيزة وبلاد البهنسا التي تصاقب الفيوم من جهة الشرق. ومن الملاحظ أن قبائل المغرب المهاجرة، جاءت تحمل أنساباً عربية، وتنقسم في أنسابها إلى الشعبتين العربيتين الأساسيتين، فبعضهم ينتسب إلى القيسية، مثل قبائل لواتة وبعضهم ينتسب إلى السبئية مثل قبائل هوارة. على أن مؤرخي العرب يترددون في نسب لواتة وهوارة، كما صنع المقريزي عند ذكر لواتة وكذلك يختلف المؤرخون في نسب هوارة، فهم من حمير أو من البربر. وليس من العسير أن نفسر هذا الخلاف، فهذه القبائل التي ترجع أصلاً إلى البربر، قد اختلطت من غير شك قبل نزوحها إلى مصر بالعرب الساكنين في بلاد المغرب، من طريق الحلف، أو الولاء، أو المصاهرة، أو هذه جميعاً، وتجلت ثمرة هذا الاختلاط، في التعرب الثقافي من جهة وفي تمثل قدرٍ من العروبة السلالية في أصولهم البربرية. ومهما يكن من أمر فإن التعرب الثقافي وحده، إذا نظرنا بالمقياس التطوري، كاف للحكم بعروبة هذه الجماعات. قلنا أن لواتة سكنت أعمال الجيزة وبهنسا،

<<  <   >  >>