السادس الميلادي، ولعلهم امتزجوا ببلىّ، ثم كانوا في زمن المسعودي المؤرخ هم المسلمون دون سائر البجة. والبجة إلى يومنا هذا يسمون اللغة العربية " بَلَويت " أي اللغة البَلَوية نسبة إلى بلىّ، التي حملت العربية إليهم، فتمثلتها لغة البجة " وهي لغة حامية " ولم تستطع العربية أن تتغلب على لغة البجة حينئذ. نظراً لقلة العرب النازحين بالقياس إلى قبائل البجة الكثيرة المتشعبة. ومهما يكن من أمر، فإن السبئين وأعقابهم كانوا فيما يظهرهم العنصر الغالب على عرب السودان في أزمان الجاهلية، ولا سيما إذا عرفنا أن الرابطة بين ساحلي البحر الأحمر، منذ أقدم العصور، لم تكن ضعيفة يوماً ما، وأن العبور من الساحل إلى الساحل ولا سيما من طريق باب المندب، كان أمراً سهلا ميسوراً. ومن السهل أن ندرك أن مضيق باب المندب كان للسبئيين معبرا رئيسياً إلى السودان، في تلك العصور الجاهلية؛ فقد كان المضيق متأخما لبلادهم في اليمن، وكانت بلادهم، حينئذ، مكتظة بأهلها، يلم شتاتهم دول ذوات نفوذ وقوة وازدهار، أعني دولة سبأ ثم حمير من بعدها. ولكن عندما انهارت هذه الدول، وزال نفوذها، اتجه السبئيون وأعقابهم إلى شمالي بلاد العرب، كما رأينا من قبل؛ ثم جاءت الفتوح الإسلامية، فنقلت جموعاً هائلة منهم إلى أخصب بقاع الأرض في مصر والشام والمغرب والأندلس والعراق وفارس وغيرها. ومن المتوقع بعد هذا أن يصبح طريق باب المندب معبراً ثانوياً للهجرة إلى السودان. فقد تفتحت منافذ أخرى أمام هجرة العرب إلى السودان، وكان المنفذ الرئيسي فيها هو: طريق وادي النيل. وفي مقدور القارئ أن يجد الدليل على هذا فيما سنورده في الفقرات التالية. أما تلك الروايات السودانية التي كثيراً ما تردد أن القبائل العربية، أو عدداً منها، قد نزحت إلى السودان من شبه جزيرة العرب من طريق البحر الأحمر مباشرةً، في عصور الإسلام، فلعلها أرادت بذلك أن تعبر عن نقاء الأصول العربية التي هاجرت إلى السودان، فجاءت بها من مهدها الأول مباشرة. ولا خلاف بيننا في أن هذه القبائل العربية التي ملأت الأقطار العربية