ولا مانع لدينا من أن نعترف بهذا التقسيم إذا أردنا تيسير البحث في تفاصيل هذه القبائل الكثيرة المتنوعة، كما صنع الباحثون المعاصرون. ولكن هذا التقسيم لن يفيدنا كثيراً في متابعة الموجات العربي المهاجرة إلى السودان من مواطنها الأولى. أضف إلى ذلك أن هذا التقسيم قد يوحي بأنه منبعث عن وجود عصبية قبلية بين قيس ويمن أي بين عدنان وقحطان، في زمن هجرة هذه القبائل إلى السودان. ومصدر هذا الإيحاء آتٍ من أن جهينة تمثل قحطان، والجعليين يمثلون عدنان. ونحن نستبعد أن تكون هناك عصبية كهذه قد حدثت بين عرب السودان، أو بعبارة أدق بين الهجرات التي نزحت إلى السودان في مرحلة الأحلاف. وسنرى أن هذه المرحلة هي التي أمدت السودان بكثير من الموجات العربية - إن لم يكن أكثرها - وكانت نواة للتشكيلات العربية الحديثة في السودان. وفي هذه المرحلة، كما ذكرنا فيما سبق، كانت الجماعات العربية قد خفت فيما بينها صوت العصبية بين عدنان وقحطان، إلا في القليل النادر. زد على ذلك أن الروايات التي توارثها السودانيون في نسب المجموعة الجهنية لا تؤكد دائما أنهم جميعاً من قحطان. مرت العروبة في السودان، بمراحل تشبه من بعض النواحي نظائرها في مصر. فهناك مرحلة إعدادية، حدثت فيها هجرات عربية إلى السودان، في عصور الجاهلية. غير أن تاريخ هذا الشطر الجنوبي من الوادي، في تلك المرحلة لم يكن من الوضوح بحيث نستطيع أن نذكر شيئاً مفصلا عنها. ومن المعلوم أن جماعات من السبئين - منذ القرن الخامس قبل الميلاد - قد نزحوا من جنوب بلاد العرب إلى السواحل الغربية للبحر الأحمر، واستقروا في بادئ الأمر في جزر هذا البحر، في سقطرة ودهلك وغيرهما، ثم انتشروا على امتداد شواطئ إفريقية الشرقية. ومن هناك أنشأوا طرق قوافل لتسيير الإبل إلى المناطق الداخلية، وربما كان هدفهم من ذلك مزدوجاً: توسيع نشاطهم التجاري، والتخلص من مناخ الساحل القاسي، ولا تزال أسماء أمكنة تقع بجوار مصوع وعصب، شاهدا على تقدم السبئين نحو المناطق الإفريقية. ويقال إن جماعات من بلىّ نزحت إلى بلاد البجة قبل الإسلام، ولقد أشرنا فيما سبق إلى أن الحضارمة، قد هاجروا إلى بلاد البجة كذلك في القرن