نساجة صاحب المقداحة الرميش وقصارة الشيخ أبي الغيث. ثم عاد إلى الجيل بعد مدة وقصد مسجداً خراباً في موضع يعرف بالمقداحة فاعتكف فيه ولم يكن يومئذٍ فيه ساكن إنما يأْتيه الرعاءُ أحياناً. فلما علم به الناس أتوهُ وسكنوا عندهُ وبنوا له المسجد. ثم بنوا له رباطاً وتحكموا على يده فرباهم احسن تربية بإلزام الصيام والقيام والزهد والورع واقبل الناس على الشيخ من كل ناحية بالفتوحات الكثيرة فكان يقبلها ولا يبيت عنده شيء منها. واجتمع عندهُ جمع كثير ولازموا الجمعة والجماعة وساروا في طريق القوم والشريعة ولم يتجاوز الشريعة منهم أحدُ. فظهر في أصحابه جماعة أخيار وكان لا يميز نفسهُ على أصحابه فإذا وصل فتح وصل إلى الصغير منهم كما يصل إلى الكبير ومناقبهُ أكثر من أن تحصى. ولم يزل على الطريق المرضي إلى أن توفي ليلة الثلاثاء لست بقين من جمادى الأخرى من السنة المذكورة والله أعلم رحمه الله تعالى.
وفي هذه السنة توفي الإمام الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي الهرمل وكان من أعيان الفقهاء وفضلائهم يسكن العطفة قرية بين كدرا سهام والعجمة وهي بكسر العين المهملة وكان من كرام الفقهاء وذوي الإحسان فيهم يقوم بالمنقطع من الطلبة. ويروى أنه لما توفي بكي عليهِ في أربعين بيتاً فسئلوا عن سبب ذلك فقالوا كان يقوم بكفايتنا ولا يعلم بنا أحدُ. وكان ورعاً شديد الورع.
يروى أن الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي قدم عليه في بعض الأيام فنزل عنده في جماعة من أصحابهِ فسأَلهُ عن صابون ليغسل بهِ ثيابه. فقال لهُ منذ سمعت أن الغز يطرحون الجلجلان على الناس كرهت الصابون والغسل بهِ فلا اغسل ثيابي إلا بالحطم. فقال الفقيه إسماعيل لأصحابه لقد فاق علينا هذا الرجل بورعه. وله مصنَّفُ في الفقه سماهُ التحفة ضمنهُ زيادات الوسيط على المهذب يدخل في مجلدين يوجد مع أهل شحينه. وهو الذي قراَ البيان على الفقيه حسن بن علي الحميري. وكان بعض فقهاءِ الجن يسمع لقراءَتهِ وقد تقدم ذكر ذلك. وكان مشهوراً مذكوراً وامتحن بالعمى في آخر عمره وأَعاد الله عليه نور بصره. وكانت وفاته ليلة الاثنين