وكان سبب عودته إلى الديار المصرة أن عمَّه الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب إلى رحمة الله تعالى وكان يومئذ صاحب دمشق. فكتب إليه ولده الملك الكامل السلطان يستدعيه إليه ليعطيه دمشق. ففرح فرحاً شديداً حتى أنه سافر وقد أبتدأ به المرض. فطلب أتابكه نور الدين عمر بن عليّ بن رسول وقال له: قد عزمت على السفر وقد جعلتك نائبي في اليمن فإن مت فأَنت أولى بمُلك اليمن من اخوتي لأنك خدمتني وعرفت منك النصيحة والاجتهاد وإن عشت فأَنت على حالك وإياك تترك أحداً يدخل اليمن من أهلي ولو جاءك الملك الكامل ولدي مطوياً في كتاب. فإذا ألح عليك أعلمتني حتى أجتمع أنا وعمي الأشرفُ عليه ونحاربه ونُشغله. فقال له نور الدين: أخشى أن اخوتي يعارضوني. فقال له الملك سعود: أنا أكفيك أمرهم. فقيدهم حينئذ. وقيل أنه لم يقيدهم حتى أمر العسكر بالركوب. وخشي حدوث شيءٍ منهم لميل أكثر العسكر إليهم.
وذكر أبو المظفر سبط بن الجوزيّ في كتابه مرآة الزمان أن الملك المسعود تجهز بجهاز عظيم لم يسبقه إليه ملك. من جملته ألف خصي وخمسمائة صندوق من فاخر الأقمشة والملبوس وثلاثمائة بهار من العود الرطب ومن العنبر الفاخر وأربعمائة سرِيّة. ومن الجواهر واللآلئ والأحجار النفيسة ما لا ينحصر وسبعون ألف ثوب صيني معلم بالذهب ومن الصنائع ما لا ينحصر عدده. حتى قيل أن المراكب التي أقلت هذا سبعون مركباً. وذلك أنه صاح في البنادر. من أراد السفر إلى الديار المصرية فليسافر مع الملك المسعود قبل سفره بمدَّة. فأقبلت التجار من كل ناحية بأنواع التجارات والبضائع فاجتمع بهم في ثغر عدن. وقال لهم بيعوني هذه البضائع التي عندكم لتسلموا من العشور. فباعوا عليه فأخذها منهم وكتب لهم بأثمانها إلى اليمن وأحال لهم بجوالات إلى كل ناحية. فصاحوا بالويل والثبور. فلم يلتفت إليهم ولم يحصل لأكثرهم شيء. وعدد الجوزيّ الأصناف التي سافر بها وعظمها حتى أن السامع لا يكاد يصدق بها ولهذا تركت ذكرها. قال: وكان ظالماً شديد