بذوي المكانة من علمائه حتى يهلكهم فتلف بسعايته كثير من الناس. وكان القاضي موفق الدين عبد الله بن علي بن محمد بن عمر اليحيوي المعروف والده بالصاحب أوحد زمانه فصاحة وصباحة ورياسة وسياسة قل أن يأْتي الزمان بمثله. وكان ابن مؤمن يحسده حسداً كثيراً لكماله وتأَهله للرياسة فكان يحط من قدره عند السلطان ويقع فيه ويغريه به مرة بعد أُخرى فصودر مراراً ثم صودر مرة على يد ابن مؤمن فرسم عليه ترسيماً عنيفاً وضيق عليه ضيقاً شديداً وقصد هلاكه. وكان لابن مؤمن نقيب على بابه يقال له سعيد. وكان بينه وبين القاضي موفق الدين أُنس شديد لم يعلم به ابن مؤمن فاطلعه النقيب على مراد ابن مؤَمن فيه فسأَل منه إحضار دواة وقرطاس سرّاً إلى المستحم فأَحضر له دواة في نصف جوزة وقلماً فكتب وهو في المستحم إلى السلطان كتاباً لطيفاً يقول فيه يا مولانا الغارة الغارة. أن تكن روح أقل العبيد فبيدك يا مولانا السلطان ولا بيد ابن مؤمن وبعدّتك وإن يكن الغرض المال فأدركوني فإني على آخر دقيقة من عمري مع ابن مؤمن ويضاف أقل العبيد إلى من شئتم. فلما وقف السلطان على كتابه أرسل جماعة من الجاندارية فهجموا بيت ابن مؤمن ونزعوه من يده وجاءَوا به إلى الباب الشريف فأضافه السلطان إلى أمين جاندار. فضمن عنه بعض أهله بعشرة آلاف دينار وأطلق من يومه ذلك. فكان القاضي موفق الدين من يومئذ يحرر على خط ابن مؤَمن. وكان بن مؤمن يخط خطاًّ حسناً فلم يزل يحرر على خطه حتى أتقنه حرفاً بحرف وحاكاه في هيئته كلها. فلما أتقنه كتب بخطه إلى كافة القبائل من أصحاب بعدان والشوافي وغيرهم وهو يقدح في السلطان وبسيرته ويطلب منهم أن يمكنوه من الحصون ويعدهم من نفسه بكل خير وبجميع ما يحبونه عاجلاً وآجلاً. وأسقطت الأوراق في الطرق فالتقطها الناس من السيارة وغيرهم ووقف عليها من وقف فحمل إلى السلطان شيء منها فلما وقف عليها ما شك أنها خطة فوقع في نفسه منه شيء عظيم. ثم أن القاضي جمال الدين لما أمكنته