قال نتقدم إلى خيمة السلطان ونقول للزمام عندي نصيحة للسلطان وأريد مواجهته ولا اذكرها إلا له. فإذا دخلت على السلطان قلت له يا مولانا السلطان أنا رجل فقير مدروز وبت هذه الليلة في المسجد الفلاني من بعدان. فلما كان نصف الليل وصار جماعة إلى المسجد ووقفوا ساعة ثم جاء جماعة آخرون فإذا هم أهل بعدان وجماعة من أهل الشعر. فاتفقوا وتحالفوا على أن أصحاب الشعر ينزلون إليكم مغيرين ومستنهضين لكم في فتح الحرب على أهل بعدان. فإذا افتتح الحرب وطلعتم للقتال أحاطوا بكم وأشاروا لأهل بعدان بالجملة فيأخذونكم باليد وهم واصلون إليكم غداً أو بعد غد وقد والله أكلنا صدقاتكم غير مرة وإحسانكم علينا وعلى غيرنا كثير. وأردت أن أطلعكم على ما قد اجمع رأيهم فلا يطلعوا إلا على أهبة. فقال له السلطان بارك الله فيك ووهب له نحواً من خمسين ديناراً. وكان أهل الشعر يقاتلون مع السلطان قتالاً عظيماً. وكان القاضي جمال الدين يشكرهم للسلطان ويثنى عليهم عنده وفي مكاتباته. فلما أظل العيد أمرهم القاضي جمال الدين بأن ينزلوا إلى الباب الشريف لأجل العيد.
وفي ظن القاضي جمال الدين أن السلطان يكسوهم ويحسن إليهم فانهم يزدادون بذلك اجتهاداً في القتال ومحافظة على النصيحة. فلما علم السيري بأنهم سينزلون إلى باب السلطان صنع هذهِ المكيدة. فلما نزلوا إلى الباب الشريف طلب السلطان عبيد السلاح وجماعة من الغز ولزم منهم ثمانية عشر شيخاً وقيدهم للفور وأطلعهم حصن تَعْكَر وهرب من أصحابهم من هرب. فلما اتصل العلم بأهل الشعر هجموا المحطة ولزموا القاضي جمال الدين محمد بن حسان والأمير البهاء السنبلي وحرّقوا المنجنيق فارتفعت المحاط وهرب الأكراد إلى ذَمَار وارتفع السلطان إلى الجَنَد واتصل الخلاف وظهر الفساد في كل ناحية.
وفي هذه السنة نزل القاضي جلال الدين علي بن محمد بن عمار لاستخراج أموال الجهات الشامية. وكان نزوله في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة.
وفيها توفي الفقيه الصالح تقي الدين عمر بن أبي بكر العرَّاف. وكان مولدهُ