ولما كان يوم النصف من شهر ربيع الآخر جاء الشيخ أبو بكر بن عراب القرشي المعروف بالهبل وكان داهية الزمان ووصل معه ابن عمه علي ابن محمد بن عمر بن عراب يريدان حاجة من زبيد. وكان من عادة العرب في ذلك الوقت أن من بدت له حاجة إلى المدينة وصل ووقف خارج المدينة على حصانه وان من وجده من الخطابة أو الحشاشين أو غيرهم أرسله إلى من يريد من معارفه يطلب منه الحاجة التي جاء بسببها ويعلمه بمكانه الذي هو فيه. فلما وصل الهبل وابن عمه كما ذكرنا أرسلا رسولاً إلى الأمير الصارم ابن نشوان وكان يظهر لهم الصداقة هو وغيره لاحتياج الناس إليهم. فلما جاء الرسول وأعلمه بمكانهما صنع لهما طعاماً نفيساً وكذلك كان يصنع هو وغيره. ثم انه جعل لهما في ذلك الطعام شيئاً كثيراً من البنج واخرج لهما ماء مطيباً وفيه ما فيه من البنج أيضاً فأكلا بحسب الكفاية وشربا من الماء ووفقا ينتظران الحاجة التي جاءَا بسببها فأثر فيهما البنج تأثيراً كلياً. وكان الهبل لا يعتاد مسكراً فلما وجد من نفسه ما وجد من الانحلال عرف أن الطعام مشغول. وكان ابن عمه يعتاد المسكر وقد كان في ذلك اليوم استعمل شيئاً منه فلما وجد من نفسه ما وجد ظن إنه عمل المسكر الذي كان استعمله فلما أيقنا بالشر قاما ليركبا فرسهما فركب الهبل وعجز ابن عمه عن القيام من موضعه ذلك. وقيل إنه ركب وسقط عن فرسه. فأخذ الهبل فرسه وسار بالفرسين معاً. وهذا الفعل من الصارم بن نشوان بإشارة ابن قبيب. وكان قد أرسل جماعة من العسكر حينئذ إلى باب النخل وأقام جماعة فوق السور ينظرون ما يكون من الأمر. فلما نظروا الهبل قد ركب فرساً وجنب الآخر صرخوا عليه وخرج بعسكر فلزموا علي بن محمد ووجدوه مطروحاً لا يعقل شيئاً فاركبوه جملاً ودخلوا به المدينة. وأما الهبل فإنه ساق فرسه لما خرج العسكر من زبيد فلما صار في أثناءِ الطريق سقط وقد اشتد عليه الأمر وحمى النهار ففطس وسار الفرسان يطرَّدان حتى دخلا القرشية فصرخ الصارخ في القرية وخرج أهل القرية يقصون أثر الخيل حتى وجدوا الهبل ميتاً قد تفطر جسمه من شدة الرمضاء فحملوه وقبروه وأقام ابن عمه معتقلاً في زبيد إلى أن نزل السلطان في ذي