الأشراف ومشايخ العرب وحلف الجميع منهم وانتظمت الأمور وتقررت أحوال الناس ولم يمد أحد يده ولا رفع رأسه.
ثم شرعوا في جهازه وغسله وتكفينه والمسير به إلى تربته الشريفة بمدينة تعز المحروسة. وكان دفنه يوم الاثنين الرابع والعشرين من شهر شعبان الكريم. وكانت القراءَة عليه في سائر المملكة اليمنية سبعة أيام رحمهُ الله تعالى.
وكان ملكاً شهماً يقظاً حازماً عازماً أبيّاً ذكيّاً فقيهاً مشاركاً للعلماء في عدة فنون من العلم عارفاً بالنحو والآداب واللغة والأنساب وسير العرب وسير الملوك. وصنف عدة من الكتب منها كتاب نزهة العيوم في تاريخ طوائف القرون لم يحذ على مثاله ولم ينسج على منواله وهو كتاب نافع جدّاً وله أيضاً كتاب العطايا السنية في المناقب اليمنية يحتوي على طبقات فقهاء اليمن وكبرائها وملوكها ووزرائها. وله كتاب نزهة الأبصار في اختصار كنز الأخبار. واختصر تاريخ ابن خلكان. وله كتاب بغية ذوي الهمم في انساب العرب والعجم وله غير ذلك.
وهو الذي جدد سور زبيد وعمر خنادقها بعد أن انهدم سورها وخرجت خنادقها وأنفق في عمارة ذلك جملة مستكثرة. وأجرى للرعية في معظم جهات اليمن مزال الربع مما أزدرعوه وفي بعضها الخمس. وأجري لهم الذراع الشرعي في المساحة وبينه وبين الذراع الأرضي فرق. وكان كريماً جواداً يضع الهبات موضع التعب ووهب للشريف علي بن الهادي مائة ألف دينار ملكية زوادة له يوم تقدمه إلى بلاده. وكان شجاعاً جلداً شديد البأس قوي النفس قصده الإمام صلاح بن علي في جموع كثيرة لا تنحصر من الخيل والرجل لمواقعة ابن السيري. وجمع ابن السيري ما يجاوز حد الحصر فبلغ جمعهم الحوبان. وكان يومئذٍ مقيماً بثعبات فما تزلزل ولا تحول. وولي الملك في قطر اليمن وفي البلاد من طوائف الفساد ما يزيد على ألفي فارس فضلاً عن القرناءِ والأضداد ففرَّق كلمتهم واستأصل شأفتهم.
وكان له من المآثر الدينية المدرسة التي أنشأها في مدينة تعز في ناحية الجبيل