فلم يزل في قيام حتى فاتته الجمعة وانقضت فلزم الخلوة واعتكف فلم يزل في قيام وصيام حتى وافقته الجمعة الأخرى. وكانت وفاته في السنة المذكورة.
وفي هذه السنة استشهد السلطان نور الدين رحمة الله عليه في قصر الجند ليلة السبت التاسع من ذي القعدة. وثب عليه جماعة من ممالكيه فقتلوه. وكان استكثر من المماليك حتى بلغت ممالكيه البحرية ألف فارس. وقيل ثمانمائة. وكانوا يحسنون من الفروسية والرمي ما لا يحسنه مماليك مصر وكان معه من المماليك الصغار قريب منهم في العدد خارجاً عن حلقته وعساكر أمرائه. ويقال أن الذي شجعهم على ذلك وآنسهم ووعدهم بما اطمأنت إليه نفوسهم ابن أخيه أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول. وذلك أنه كان مقطعاً صنعاء من قبل عمه المنصور ثم أراد أن ينزعه منها ويجعلها لولد شمس الدين يوسف المظفر. فعزَّ ذلك كثيراً على أسد الدين فعامل المماليك على قتل عمه فقتلوه في التاريخ المذكور فلم ير أسد الدين بعد قتل عمه يوم سعد أبداً. تجري التقادير على خلاف التقادير.
ويروى أنه لما رجع السلطان نور الدين رحمة الله عليه من حرب الإمام ودخل مدينة الجند وصل إليه رسول من ملك الهند قبل وفائه بيومين أو ثلاثة أيام. فحضر في مجلس السلطان وأدى رسالة مرسله. فأكرمه السلطان وأنعم عليه. فلما خرج قال لترجمانه. قد قرب أمده إلا أنه أبو ملك وجد ملك ومن ذريته ملوك. ثم قال قولاً بالعجمي فوجده. يأخذها ذو شامة من بعده ويلتقيها مسعد من بعده لا تنقضي من نسله وولده.
وكان السلطان نور الدين ملكاً كريماً حاذقاً حليماً حسن السياسة سريع النهضة عند الحادثة وكان شريف النفس عالي الهمة فارساً شجاعاً مقاماً محراباً لا يمل الحرب. ومن الدلائل على ذلك طرده العساكر المصرية عن مكة المشرفة مرة بعد