للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقبل هؤلاء كلهم، ذكرنا فيما سبق كلاماً نفيساً للإمام عثمان بن سعيد الدارمي، منقولاً من كتابه (الرد على بشر بن غياث المريسي) . وكان ذلك الكلام عبارة ً عن مناظرةٍ بين الدارمي والمريسي، حول تقسيم المريسي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى مفيدٍ للعلم وغير مفيدٍ له، وأن المريسي لا يحتج إلا بالقسم الأول: المفيد للعلم، وهو (المتواتر) . فقال الدارمي له أثناء رده عليه: ((قد أبطلت بدعواك هذه جميع الآثار التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما احتججت منها لضلالك، وما لم تحتج)) (١) ‍‍

لقد صرح المريسي بأنه يحتج بـ (المتواتر) ، فلم يكون قوله هذا مبطلاً إلا حتجاج بالأحاديث كلها؟ ‍‍

الجواب عن هذا السؤال: هو لأن (المتواتر) صورة خيالية، لا وجود لها في واقع الروايات الحديثية. ومعنى ذلك: أن جميع الأحاديث النبوية ليست إلا (أخبار آحاد) ، وليس فيها (خبر متواتر) . لذلك كان القول بعدم الاحتجاج إلا بـ (المتواتر) مبطلاً الاحتجاج بالأحاديث كلها، لأنه ليس في الأحاديث كلها خبر (متواتر) أصلاً ‍‍‍

ثم بعد هؤلاء كلهم يقول الحافظ ابن حجر (أحمد بن علي بن محمد الكناني، العسقلاني أصلاً المصري، المتوفى سنة ٨٥٢هـ) في كتابه (نزهة النظر) ، بعد ذكره لكلام ابن الصلاح الآنف الذكر: ((وما ادعاه من العزة ممنوع، وكذا ما ادعاه غيره من العدم. لأن ذلك نشأ عن قلة الاطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطؤوا


(١) انظر (ص ٩٨، ١١١، ١١٧) .

<<  <   >  >>