القرن الثالث الهجري (٢٠٠هـ ـ ٣٠٠هـ) هو القرن الذي شهدت فيه علوم كثيرة تحولاً عظيماً، على يد علماء عاشوا في هذا القرن، كانوا أئمة العلم والدين، وقدوة في ذلك للأجيال من بعدهم.
فإذا خصصت علوم السنة بالحديث، فهذا العصر الذهبي له. الذي ما إن يذكر حتى تتمثل في المخيلات: صورة الآلاف المؤلفة من طلاب الحديث وهم يلتفون حول أحد أعيانه (١) ، وازدحام بلدان الإسلام وعواصمه بالمحدثين وهم رائحون غادون من مسجدٍ إلى منزل إلى ساحةٍ، من عالم إلى عالم، معهم المحابر والأقلام والكاغد. وأحسب لو نظرت إلى الصحاري وطرق المسافرين ومنازل السفر، لرأيت الأحمال تحط وترحل، والقوافل متتابع نم إسبيجاب وبخارى، إلى قرطبة وإشبيلية، ومن القوقاز إلى صنعاء وعدن، في حركةٍ دؤوب، وموج تلو أمواج متتابعة ٍ، تحكي عجائب الرحلة في طلب الحديث!
أما تدوين السنة، الذي جعلناه مقياساً لتطوير مصطلح
(١) انظر علوم الحديث لابن الصلاح (١٤٧ ـ ١٤٨) ، وتذكرة الحافظ للذهبي (٥٢٩ ـ ٥٣٠) .