للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واسمع الإمام مسلماً وهو يقول في كتابه (التمييز) : ((واعلم ـ رحمك الله ـ أن صناعة الحديث، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم، إنما هي لأهل الحديث خاصة؛ لأنهم الحفاظ لروايات الناس، العارفون بها دون غيرهم. إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم: السنن والآثار المنقولة، من عصر إلى عصر، من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا. فلا سبيل لمن نابذهم من الناس، وخالفهم في المذهب، إلى: معرفة الحديث، ومعرفة الرجال من علماء الأمصار فيما مضى من الأعصار من نقال الأخبار وحمال الآثار. وأهل الحديث هم الذين يعرفونهم ويميزونهم، حتى ينزلوهم منازلهم في التعديل والتجريح)) (١) .

ثم قف على هذا الفصل النوراني، وسأنقله لك على طوله من كلام الإمام أبي المظفر منصور بن محمد التميمي السمعاني الشافعي (ت ٤٨٩هـ) . يقول (رحمه الله) في كتابه (الانتصار لأهل السنة) : ((واعلم أن الخبر وإن كان يحتمل الصدق والكذب والظن وللتجوز فيه مدخل، ولكن هذا الذي قلناه (يعني من إفادة خبر الواحد للعلم) لا يناله أحد، إلا بعد أن يكون معظم أوقاته وأيامه مشتغلاً بالحديث، والبحث عن سيرة النقلة والرواة، ليقف على رسوخهم في هذا العلم، وكنه معرفتهم به، وصدق ورعهم في أقوالهم وأفعالهم، وشدة حذرهم من الطغيان والزلل، وما بذلوه من شدة العناية في تمهيد هذا الأمر، والبحث عن أحوال الرواة، والوقوف على صحيح الأخبار وسقيمها. ولقد كانوا بحيث لو قتلوا لم يسامحوا أحداً في كلمةٍ واحدةٍ يتقولها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا فعلوا هم بأنفسهم ذلك. وقد نقلوا هذا الدين إلينا كما نقل إليهم، وأدوا كما أدى إليهم. وكانوا في صدق العناية


(١) التمييز لمسلم (ص ٢١٨) .

<<  <   >  >>