للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظن تحصل بمجرد صحة السند، أي بانتفاء العلل الظاهرة. أما انتفاء العلل الباطنة، فهو قرائن الإثبات وعلامات مطابقة الخبر لواقع الحال، وهو (العلم) .

إذا علمت ذلك، بعد قراءتك كلام أبي المظفر السمعاني الآنف الذكر، فلا بد أنك توافقه وتوافقني في أن المرجع في تمييز الثابت من المشكوك فيه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم هم المحدثون، وأنهم القضاة الذين يحتكم إليهم في ذلك، وأنه لا يحق لمن ليس منهم أن ينازعهم شأنهم وأمرهم.

فإن قفلت: فما القول فيما لو اختلفوا في تصحيح حديث، فضعفه بعضهم وصححه آخرون؟

قلت: كما لو اختلف الفقهاء! فإن كنت من أهل فنهم، وتفقه أصوله وضوابطه، ومارست علومه ودقائقه؛ فارجع إلى حجة كل، ووازن، فلعلك تخرج بيقين، وترى الشمس كما رآها بعض من سبقك. أما إن لم تكن ممن يفهم هذا العلم، فاتبع، أو قلد، واختر في ذلك أعلمهم علماً وأتقاهم ديناً!!

المهم في ذلك، أن لا يكون اختلافهم دليلاً عندك على عدم استفادتهم العلم من صحيح (خبر الآحاد) ، كما لم يكن اختلافهم في تواتر خبر دليلاً على عدم إفادة (المتواتر) للعلم. ((وليس خطؤنا نحن إن أخطأنا، وجهلنا إن جهلنا، حجة على وجوب ضياع الدين. بل الحق ثابت معروف عند طائفة، وإن جهلته أخرى، والباطل كذلك أيضاً. كما يجهل قوم ما نعلمه نحن أيضاً، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء)) (١) .

ولئن كنا آنفاً نقلنا لك كلاماً نورانياً، فسننقل لك الآن


(١) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (١ / ١٣٧) .

<<  <   >  >>