فبكل وضوح: إن غالب من يتعلم أصول الفقه، ويتعمق فيها، فهو إنما يتعمق في علم المنطق معها، ويتشرب منهجه وأسلوبه وتفكيره (وليس منهجه وأسلوبه وتفكيره محذوراً محظوراً دائماً) .
وأوضح مثالٍ لتأثير العام لعلم المنطق على الأوساط العلمية، بفنونها المختلفة، تأثيره عليها بصناعة المعرفات المنطقية أو ما يسمى بالأقوال الشارحة: بحدودها ورسومها. فإنك لا تكاد تجد علماً من العلوم الإسلامية: شرعيةً، أو لغوية ً، أو غيرها، إلا ولصناعة الحدود والرسوم فيها أثر بارز، لا تخفى على أحدٍ ملامحه عليها وقسماته.
وقد بينت فيما تقدم أني هنا لست أعادي علم المنطق لأنه علم المنطق، لكني هنا أعادي تسليط معاييره الأجنبية على كثيرٍ من العلوم الإسلامية عليها.
أما علم المنطق، فقد سئل عنه ابن الصلاح وعن الفلسفة، وعن حكم استعمالها في إثبات الأحكام الشرعية بالاصطلاحات المنطقية؟ فقال ابن الصلاح، كما أنقله لك من (فتاويه) ، بعد أن ذم الفلسفة بمثل قوله عنها:((رأس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة)) ؛ فقال عن المنطق: ((وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة، ومدخل الشر شر، وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه مما أباحه الشرع، ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين والسف الصالحين، وسائر من يقتدى بهم من أعلام الأئمة وسادتها، وأركان الأمة وقادتها. وقد برأ الله الجميع من معرة ذلك وأدناسه، وطهرهم من أوضاره.
وأما استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية: فمن المنكرات المستبشعة، والرقاعات المستحثة. وليست بالأحكام الشرعية ـ بحمد الله ـ افتقار إلى المنطق أصلاً.