للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل لقد كان عمر رضي الله عنه، كما سقول الإمام الذهبي: ((هو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل)) (١) . يعني: أنه حرص على إشاعة هذه السنة وتعليهما، وأخذ الرعية على التزامها، والتشديد في ذلك؛ وهي سنة التوثق والتحري للسنة.

قال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: ((بعث عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود، وإلى أبي الدرداء، وإلى أبي مسعود الأنصاري،] وإلى أبي ذر [، فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!!

فحبسهم بالمدينة (٢) ، حتى استشهد)) (٣)


(١) تذكرة الحافظ (١/٦) .
(٢) قال أبو عبد الله ابن بري شيخ الرامهرمزي ـ كما في المحدث الفاصل (٥٥٣رقم ٧٤٥) ـ: ((يعني منعهم من الحديث، ولم يكن لعمر حبس)) . قلت تنبيه حسن. ظاهر أن معنى (حبسهم) ، أي: منعهم الخروج من المدينة.
(٣) إسناده صحيح، فإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قد سمع من عمر رضي الله عنه على الصحيح، كما يأتي بيانه. أخرجه الإمام أحمد في العلل (رقم ٣٧٢) ، وابن سعد في الطبقات (٢/٣٣٦) ، وابن أبي شيبه في المصنف (٨/٧٥٦) ، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه (رقم ١٤٧٩) ، والبلاذري في أنساب الأشراف ـ ترجمة الشيخين: أبي بكر وعمر ـ (١٥١) ، والطحاوي في بيان مشكل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخراج ما فيها من الأحكام ونفي التضاد عنها ـ المطبوع باسم: شرح مشكل الآثار! انظر نماذج المخطوطات في مقدمة تحقيقه (١/١٠٥ـ ١١٩) ، وفهرسة أبي بكر الإشبيلي (٢٠٠) ـ (١٥/٣١١ـ ٣١٢) ، والطبراني في المعجم الأوسط ـ كما في مجمع البحرين للهيثمي (رقم ٣٠٤) ، والرامهرزي في المحدث الفاصل (رقم ٧٤٥) ، والحاكم وصححه في المستدرك (١/١١٠) ، وأبو نعيم في الإمامة (رقم ١٣٠) ، وابن حزم في الإحكام (٢/١٣٩) ، والخطيب في شرف أصحاب الحديث (٨٧ رقم ١٩٠) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ـ المطبوع ت (٣٩/١٠٨) ـ والمخطوط ـ (١٣/٧٤٩-٧٥٠، ٧٥٠) . وله أسانيد متعددة، تلتقي: في شعبة بن الحجاج أو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، كلاهما: عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
به.
والأسانيد بذلك صحيحه، كما سبق.
لكن بعض الأئمة أعله بالانقطاع بين إبراهيم وعمر رضي الله عنه، منهم: ابن حزم في الإحكام (٢/٢٣٩-١٤٠) ، وشنع في رده. ونحوه الهيثمي في مجمع البحرين (١/٢٦٣) ، حيث قال: ((هذا باطل، لا يصح عن عمر..)) ، ثم أعله بالانقطاع، ورد قول الواقدي بإثبات سماع إبراهيم من عمر رضي الله عنه.
وإليك بسط مسألة سماع إبراهيم بن عبد الرحمن من عمر رضي الله عنه:
فنفى السماع ـ كما سبق ـ: ابن حزم، والهيثمي. وقال البيهقي في السنن الكبرى (٨/٢٧٧) : ((لم يثبت له سماع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإنما يقال رآه)) .
وخالفهم جماعة: فقال الإمام أحمد في العلل (رقم ٤٦٤) : ((وإبراهيم بن عبد الرحمن لا شك فيه، سمع من عمر)) .
وقال يعقوب بن شيبة ـ كما في تاريخ دمشق لابن عساكر المطبوع (٢/٤٦١) ، وكما في تهذيب التهذيب (١/١٣٩) ـ: ((لا نعلم أحداً من ولد عبد الرحمن روى عن عمر سماعاً غيره)) .
وأثبت السماع أيضاً: ابن جرير الطبري، كما في التهذيب (١/١٤٠) . وأثبته أيضاً الواقدي، فقال ـ كما في طبقات ابن سعد (٥/٥٦) ـ: ((لا نعلم أحداً من ولد عبد الرحمن بن عوف روى عن عمر سماعاً ورؤية غير إبراهيم)) .
والفصل في ذلك الروايات بأزمتها وخطمها!
قال الدولابي في الكنى (١/١٨٩) : ((حدثنا محمد بن منصور الجواز، حدثنا عبد الله بن جعفر بن المسور ابن مخرمة، عن سعد بن إبراهيم، (أو حممة) ، وكان جارنا يبيع الخمر)) .
وهذا إسناد حسن.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات (٥/٥٦) ، قال ك ((أخبرنا يزيد بن هارون، ومعن بن عيسى، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديل، قالوا: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، قال: إن عمر بن الخطاب حرق بيت رويشد الثقفي وكان حانوتاً للشراب، وكان عمر قد نهاه، فلقد رأيته يلتهب كأنه جمرة)) .
وهذا إسناد صحيح. وقال سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: ((اشهد على أبي، أنه أخبرني: أن أمه أمرت بشاةٍ فسلخت] وفي رواية: إني لأذكر مسك شاةٍ [، حين جلد عمر أبا بكرة، فألبستها إياه. فهل كان ذلك إلا من جلدٍ شديد؟!)) . ... =
أخرجه عبد الرزاق (رقم ١٣٥١٠) ، وابن أبي شيبة (٩/٥٢٤-٥٢٥، ٢٥٦، ووقع فيه تحريف ظاهر) ، والبيهقي في السنن الكبرى (
٨/٣٢٦) . وإسناده صحيح. ومما يدل أيضاً على إدراكه لعمر رضي الله عنه: أنه ولد في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ذكره جماعة في الصحابة، كابن مندة، وأبي نعيم، وابن عبد البر، وابن الأثير، وابن حجر.
انظر معرفة الصحابة لأبي نعيم (٢/١٥٩رقم ٧٦) ، والاستيعاب لابن عبد البر (١/٦١رقم ٢) ، وأسد الغابة لابن الأثير (١/٥٣) ، والإصابة لابن حجر (١/٩٨) .

<<  <   >  >>