ثم ورث القرن الرابع ذلك الإرث العظيم والكبير عن القرن الثالث، فناء به كاهله، وضعف عنه قليلاً، مع بداية عوامل الضعف والمؤثرات الأجنبية على علوم السنة. لكن استثقال ذلك الإرث والضعف عنه لم يكن
شاملاً لكل أهل هذا القرن حيث إن عوامل الضعف ومؤثراتها لم تغط الساحة العلمية بد. لذلك بقي أعيان أئمة الحديث في هذا القرن محافظين على ورثهم من القرن الثالث، وكأنهم امتداد لعلماء ذلك القرن المجيد.
نعم.. لم يشهد هذا القرن تطوراً وارتقاءً، لكنه استطاع أن يكون وعاءً حافظاً لعطية القرن الثالث. ولا يلام علماء القرن الرابع على ذلك، لأن سلفهم بلغ بعلم الحديث القمة، وما بعد القمة إلا الانحدار أو الثبات.
وهذا مما سبق شرحه وتوضيحه (١) .
لكن الثبات على القمة لا يمكن أن يدوم، ولذلك بدأ الانحدار من القرن الخامس فما بعده.
ولا يعني ذلك أن الأمة فقدت ذل الإرث العظيم بالكلية، حاشا وكلا لأن الانحادر غير الهوي في الهاوية
ولا يعني ذلك أيضاً أن الأمة فرطت في تراثها المكتوب، بل حافظت عليه أعظم حفاظٍ عرفته البشرية عبر دهورها، مع كثرة الحوادث، وتتابع النوائب، وتعاقب الأزمان.
أما السنة ذاتها، فهي محفوظة بحفظ القرآن، الذي تهد به منزله سبحانه وتعالى