للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقع العلم بصدقه) (١) ، و (باب ذكر شبهة من زعم أن خبر الواحد يوجب العلم وإبطالها) (٢) ؛ هذه الأبواب ليس فيها إسناد واحد، بل كلها من كلام الخطيب نفسه، إلا الباب الأخير الذي نقل الخطيب ما فيه عن أبي بكر الباقلاني!

ولذلك قال ابن الصلاح عن كلام الخطيب في (باب تقسيم الأخبار) : ((في كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث)) (٣) .

ثم إن الخطيب وإن تأثر بأصول الفقه، فهو المحدث الناقد بالدرجة الأولى. لذلك نجده يرجح خلاف ما ينقله عن الأصوليين تارة (٤) ، ويقدم عمل المحدثين على ما ينقله عن بعض المتكلمين تارة أخرى (٥) ، ويصوب ما يدل عليه حال أهل الحديث

على حجج بعض الفقهاء في مسائل الحديث أيضاً (٦) .

هذا إضافةً إلى أهم ما يميز كتاب الخطيب (الكفاية) ، وهو: استيعابه لجل أقوال أئمة الحديث من (أهل الاصطلاح) في أصول علمهم وشرح مصطلحهم، واعتماده على تلك الأقوال في تقرير قواعد العلم وشرح عباراته. إذ هذا هو المنهج النظري الذي كان قد ألزم الخطيب نفسه به، وقد التزم به بالفعل في جل كتابه (٧) .


(١) الكفاية (ص ٣٤- ٣٥) .
(٢) الكفاية (ص ٤١- ٤٢) .
(٣) انظر (ص ٩١) .
(٤) الكفاية (ص ٣٨٦) ووازنه بما في (ص ٣٨٣) .
(٥) اللكفاية (ص ١٤٩ـ ١٥٤) .
(٦) الكفاية (ص ٤٤٢) .
(٧) كنت في أصل هذا البحث، الذي كان في صورته الأولى مقدمة تأصيلية لكتابي المذكور في عنوان بحثنا هذا، وكما تراه مبيناً في مقدمتنا هنا (ص ٩- ١٠) = قد اكتفيت بنقل كلام الخطيب في ديباجة كتابه لبيان منهجه الذي ألزم نفسه به. وهذا كان كافياً في تلك المقدمة المختصرة جداً، لأن مخالفة الخطيب لمنهجه الذي ألزم نفسه به يعتبر خطأ في التطبيق، لا في المهج. والذي يهمني هنا المنهج، كما هو عنوان هذا الباب. وعندما طبع أحد طلبة العلم كتابي (المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس) ، بما فيه من أصل كتابنا هذا، قرأ مقدمة الكتاب التي هي أصل بحثنا هذا فبالغ في الإعجاب بها، وكان هو أول من حثني على إفرادها بالنشر.
لكنه كان يقول لي: إن الخطيب هو أول من أدخل المباحث الأصولية في علم الحديث، ويحسب أن هذا يخالف ثنائي على كتاب الخطيب؛ وليس الأمر كما ظن:
أولاً: لأن مقالة: إن الخطيب هو أول من أدخل المباحث الأصولية في علوم الحديث، مقالة لا دليل عليها، مع أن البيهقي (وهو أسن من الخطيب) وابن عبد البر (وهو قرين الخطيب) كلاهما قد أدخلا أيضاً المباحث الأصولية في علوم الحديث، كما سيأتي في أصل البحث قريباً.
وثانياً: لن المنهج الذي قرره الخطيب في مقدمة كتابه، وألزم نفسه به، وعاب على أهل عصره عدم التزامهم به، منهج سليم، بل هو المنهج السليم في فهم مصطلح الحديث وحده. ثم إن أثر أصول الفقه على كتاب الخطيب أثر ضئيل، كما بينته في الأصل، فلا يؤثر على ما كنت قد ذكرته في أصل هذا البحث من ثناءٍ على كتاب الخطيب، الذي ما زلت أثني عليه أيضاً.
وإنما ذكرت هذا الأمر هنا، من باب الأمانة في ذكر أحد دواعي توسعي في منهج الخطيب من هذه الناحية، عما كان عليه بحثي في أصل هذا الكتاب وصورته الأولى.

<<  <   >  >>