أما كلام ابن رجب عن الخطيب، فبينا أن الخطيب على خلاف ما فهم من كلامه. ثم الأقوال التي ذكرها الخطيب في هذه المسألة، وإن كانت مأخوذةً عن كتب المتكلمين كما قال ابن رجب، إلا أن ظواهر أقوال وتصرفات كثير من المحدثين تدل عليها، ولذلك ذكرها الخطيب، ثم رجح الراجح الصواب مما يدل عليه باطن علم المحدثين وحقيقة مذهبهم.
ومع هذا التأثر الكبير بالأصول عند ابن الصلاح، إلى درجة ترجيح رأي الأصوليين، على رأي أهل الفن من المحدثين؛ إلا أنه زاد في بيان عمق هذا الأثر، وأنه تعمد مخالفة المحدثين إلى رأي الأصوليين، عندما قال في نوع (العمل) : ((وكثيراً ما يعللون (يعني المحدثين) الموصول بالمرسل، مثل أن يجيء الحديث بإسناد موصول، ويجيء أيضاً بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول، وهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه)) (١) .
إذن فابن الصلاح كان على علم بحقيقة رأي المحدثين من هذه المسألة، وأنهم كانوا كثيراً ما يقدمون المرسل على الموصول، مع ذلك رجح قول الأصوليين على قولهم!!!
فهذا المثال وما سبقه يكفي لإثبات عمق أثر أصول الفقه على كتاب ابن الصلاح، ولذلك أمثلة أخرى ليس هذا موطن استقصائها.
لكن زاد الأمر خطورةً في كتاب ابن الصلاح، بظهور بوادر (فكرة تطوير المصطلحات) السابق شرحها وبيان خطرها على