جزرة لنه العبارة خرجت منه غير موزونةٍ بما تقتضيه صناعة الحدود المنطقية، من الجمع والمنع لكن معنى عبارته، بما تقتضيه أساليب العرب: أن الشاذ حقاً، أو الشذوذ المحض لغةً ـ عند صالح جزرة ـ: هو الحديث المنكر الذي لا يعرف. فهو إما أنه أراد الالتفات إلى دلالة المعنى اللغوي لـ (الشاذ) ، كما سبق مع الإمام الشافعي. أو أنه أراد التنبيه إلى أخطر أنواع (الشاذ) ،
وأحقها بالاهتمام.
كما أن هذه العبارة لا يلزم أنها تعني بأن (الشاذ) هو (المنكر) ، وأنهما مصطلحان متطابقان المعنى، خاصة بعد الشرح المذكور آنفاً لعبارته هذه. إذ مقتضى ذلك الشرح: أن (الشاذ) المردود، هو الذي يقال له (منكر) ، دون غيره من (الشذوذ) ، الذي هو تفرد الثقة الحافظ المحتمل لذلك التفرد.
ولعله مما يؤيد هذا الفهم لعلاقة (الشاذ) بـ (المنكر) من كلام صالح جزرة، هذا الحوار الذي دار بين أحد سائلي يحيى بن معين ويحيى، حيث قال ذلك السائل لابن معين:((ما تقول في الرجل حدث بأحاديث منكرة، فردها عليه أصحاب الحديث، إن هو رجع عنها، وقال: ظننتها، فأما إذ أنكرتموها ورددتموها علي، فقد رجعت عنها؟ فقال يحيى: لا يكون صدوقاً أبداً، إنما ذلك الرجل يشتبه له الحديث الشاذ والشيء، فيرجع عنه. فأما الأحاديث المنكرة التي لا تشتبه لأحدٍ فلا)) (١) .
ولا أريد الدخول في مسألة علاقة (الشاذ) بـ (المنكر) ، فهذا خصم ليس هذا محله! لكن ما ذكرته إشارات لبعض ما يقال، وأرجو الله أن ييسر لي كل ما يقال مستقبلاً في هذه المسألة.