فاستعينوا عليه بالكلام، وصلوه بمقطعاتٍ منه، واستظهروا بأصول المتكلمين = يتسع لكم مذهب الخوض ومجال النظر. فصدق عليهم ظنه، وأطاعه كثير منهم واتبعوه، إلا فريقاً من المؤمنين.
فيا للرجال والعقول! أنى يذهب بهم؟! وأنى يختلهم الشيطان عن حظهم وموضع رشدهم؟! والله المستعان)) (١) .
وهكذا يصف لنا أحد أئمة هذا العصر الحالة العلمية الجديدة، التي بدأت في الظهور خلال القرن الرابع الهجري. وهو يبين أساب تعلق من اتجهوا للفقه دون علم بالسنة إلى علم الكلام، ويوقفنا إلى أن الجهل بالحديث جعل طاقاتٍ كثيرةً في أولئك المتفقهة معطلة، فدس إليهم الشيطان (على حد تعبير الخطابي) أن يفرغوا تلك الطاقات في علم الكلام، طريق التجهم والاعتزال.
وذلك مما أمد الاعتزال بمددٍ جديد، وبوجهٍ جديد أيضاً، يظهر المعتزلة في صورة الفقهاء العلماء بالفروع، ثم بالأصول كذلك!!
وهكذا بدوره أشعر المحدثين بضرورة مواجهة هذا المد الاعتزالي.
فواجهه أئمة السنة، المتحققون بالحديث وعلومه (رواية ودراية) مواجهة قوية، بمثل كتب (السنة) و (التوحيد) و (العقيدة) ، وبالتحذير من علم الكالم وأهله، وبحث الناس على تعلم السنة، وعلى تمام التلقي لها على وجهها، وترك ذلك الترف العلمي في طريقة تلقيها الذي كان قد بدأ ظهوره في هذا القرن (الرابع) .