قال البغوي: والأسف: أشد الحزن. {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} ، يعني: عمي بصره، {فَهُوَ كَظِيمٌ} ، قال الضحاك: كئيب حزين، وقال قتادة: ساكت لا يشكوا أمره إلى مخلوق. قال الحسن: كان بين خروج يوسف من حجر أبيه إلى يوم التقى معه ثمانون عامًا، لا تجفّ عينا يعقوب، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب.
وعن قتادة: قوله: {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ، قال: لا تزال ذكر يوسف {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} هرمًا، {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} ، قال: أو تموت. قال ابن إسحاق: لما ذكّر يعقوب بيوسف قالوا - يعني ولده الذين حضروه في ذلك الوقت جهلاً وظلمًا -: {تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} ، أي: فاسدًا لا عقل لك، {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} ، قال يعقوب عن علم بالله:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم، لم أَشْكُ ذلك إليكم {وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} .
قال البغوي: والبث أشد الحزن، وسميّ بذلك لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثّه أي يظهره.
وعن ابن عباس في قوله:{وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ، يقول: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأني ساجدٌ له. وقال قتادة: ذكر لنا أن يعقوب لم ينزل به بلاء قطّ إلا أتى حسن ظنه بالله من ورائه. قال ابن إسحاق: ثم إن يعقوب قال لبنيه وهو على حسن ظنه بربه، مع الذي هو فيه من الحزن {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ} إلى البلاد التي منها جئتم، {فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ} ، أي: من فرجه، {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} . والله أعلم.