عن عبد الله بن الشخير قال: انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول:« {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ، يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» . رواه أحمد وغيره، وفي رواية لمسلم:«وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس» . وعن قتادة:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} ، قال: كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان ونحن أقدم من بني فلان، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم. وعن علي قال: كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت هذه الآية: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} إلى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} . قال الحسن: هذا وعيد بعد وعيد.
{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} ، قال قتادة: كنا نحدث أن علم اليقين: أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت. قال البغوي: وجواب لو محذوف أي: لو تعلمون علمًا يقينًا لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر.
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} قال البغوي: أي: ترونها بأبصاركم من بعيد ثم لترونها مشاهدة. وقال ابن كثر: هذا تفسير الوعيد المتقدم وهو قوله {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} توعدهم بهذا الحال وهو رؤية أهل النار التي إذا زفرت زفرة واحدة خر كل ملك مقرب ونبي مرسل على ركبتيه من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال.
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال قتادة: إن الله عز وجل بمسائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه.
قال ابن كثير: ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب، وذلك قبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذا المدّة؟ فقال: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال: وما هي؟ فقال:{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ؛ ففكّر مسيلمة هنيهة ثم قال: لقد أنزل عليّ مثلها، فقال له عمرو: وما هو؟ فقال: يا وَبَر يا وَبَر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حقر نقر. ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أنّي أعلم أنّك تكذب.
قال الشافعيّ رحمه الله: لو تدبّر الناس هذه السورة لوسعتهم. وعن ابن عباس في قوله:{وَالْعَصْرِ} ، قال: العصر ساعة من ساعات النهار.
وقوله تعالى:{إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أي: خسران. {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قال مجاهد: إلا من آمن. {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا