للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المباين لجميع المخلوقات ولا يكتنفه الأرض والسماوات، بل هو الأحد الصمد المنزّه عن مماثلة المحدَثات.

وقوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه {الْعَزِيزُ} الذي عزّ كل شيء وقهره وغلبه ... {الْحَكِيمُ} في أقواله وأفعاله، ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ليظهر له دليلاً واضحًا على أنه الفاعل المختار القادر على كل شيء، فلما ألقى موسى تلك العصا من يده انقلبت في الحال حيّة عظيمة هائلة، في غاية الكِبْر وسرعة الحركة مع ذلك، ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} والجانّ: ضرب من الحيّات أسرعه حركة وأكثره اضطرابًا، فلما عاين موسى ذلك: {وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} ، أي: لم يلتفت من شدّة فَرَقِه، {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} ، أي: لا تخف مما

ترى فإني أريد أن أصطفيك رسولاً وأجعلك نبيًا وجيهًا. وقوله تعالى: ... {إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، هذا استثناء منقطع، وفيه بشارة عظيمة للبشر، وذلك أنه من كان على عمل سيِّء ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب فإن الله يتوب عليه، كما قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} وقال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَّحِيماً} .

وقوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} هذه آية أخرى ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار، وصدق من جعل له معجزة وذلك أن الله تعالى أمره أن يدخل يده في جيب درعه، فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة قمر، لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف.

وقوله تعالى: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} ، أي: هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيّدك بهنّ وأجعلهنّ برهانًا لك، {إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>