للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنهار ويفرون بالليل، فأعجبه ذلك وقال: إن هؤلاء لكرام، فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما كعب وأسد من أحبار بني قريظة عالمان وكانا ابني عم حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها فقالا له: أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينهما ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد مولده مكة وهذه دار هجرته، ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه وفي عدوهم، قال تبع: من يقاتله وهو نبي؟ ! قالا: يسير إليه قومه فيقتتلون ها هنا؛ فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة، ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة، وخرج بهما ونفر من اليهود عائدين إلى اليمن، فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا: إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة قال: أي بيت؟ قالوا: بيت بمكة وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلا هلك، فذكر ذلك للأحبار فقالوا: ما نعلم لله في الأرض بيتًا غير هذا البيت، فاتخذه مسجدًا وانسك عنده وانحر واحلق رأسك، وما أراد القوم إلا هلاكك، لأنه ما ناوأه أحد قط إلا هلك، فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله، فلما قالوا له ذلك، أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم، فلما قدم مكة نزل الشعب - شعب البطائح - وكسا البيت الوصائل - وهو أول من كسا البيت - ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة، وأقام به ستة أيام، وطاف به وحلق وانصرف، فلما دنا

من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه، وقالوا: لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا، فدعاهم إلى دينه، وقال: إنه دين خير من دينكم، قالوا: فحاكمنا إلى النار، وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه، فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم، فقال تبع: أتفقتم، فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما، حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه،

<<  <  ج: ص:  >  >>