قال ابن جرير: يعني تعالى ذكره بقوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} : ومن يتولَّ اليهود والنصارى دون المؤمنين، فإنه منهم. يقول: فإن من تولاهم، ونصرَهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولّ أحدًا إلا وهو به وبدينه، وما هو عليه راضٍ. وإذا رضيه ورضي دينَه، فقد عادى ما خالفه وسَخِطه، وصار حكمه حكمه.
وقوله تعالى:{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} ، قال قتادة: أناس من المنافقين كانوا يوادون اليهود، ويناصحونهم دون المؤمنين. {فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} قال: بالقضاء، {أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} من موادتهم اليهود ومن غشهم للإِسلام وأهله. وقال السدي:{فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} فتح مكة، {أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} ، قال: الأمر: الجزية. وقال مجاهد:{فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} حينئذٍ يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين.
قال البغوي: يعني: يقول الذين آمنوا في وقت إظهار الله تعالى نفاق المنافقين: {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ} حلفوا بالله {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} ، أي: حلفوا بأغلظ الإيمان، {إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} ، أي: إنهم لمؤمنون؟ يريد أن المؤمنين حينئذٍ يتعجبون من كذبهم، وحلفهم بالباطل؛ قال الله تعالى:
{حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطل كل خير عملوه، {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} خسروا الدنيا بافتضاحهم، والآخرة بالعذاب، وفوات الثواب.
قال الضحاك في قوله:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} هو: أبو بكر وأصحابه، لمَّا ارتدّ من ارتدّ من العرب عن الإسلام، جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردّهم إلى الإسلام. وعن مجاهد في قول الله:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ، قال: أناسٌ من أهل اليمن. وعن عياض الأشعري قال: لما نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ