فثبت من ذلك أن أمر النساء يالخروج إلى العيد إنما كان بعد فرض الجلباب، ويؤيده أن في حديث عمر أنه لم يدخل على النساء، وإنما بايعهن من وراء الباب، وفي هذه القصة أبلغهنَّ أمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - النساءَ بأن يخرجن للعيد، وكان ذلك في السنة السادسة عقب رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية، بعد نزول آية الامتحان والبيعة كما تقدم، وبهذا تعلم معنى قول أم عطية في أول حديثها الثاني:((لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة))، أي: من الحديبية، ولا تعني قدومه إليها من مكة مهاجراً كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، فتأمل.
الوجه الآخر: إذا فرضنا عجزنا عن إثبات ما ذكرنا، فإن مما لا شك فيه عند العلماء أن إقراره - صلى الله عليه وسلم - المرأة على كشف وجهها أمام الرجال دليل عل الجواز، وإذا كان الأمر كذلك فمن المعلوم أن الأصل بقاء كل حكم على ما كان عليه حتى يأني ما يدل على نسخه ورفعه، ونحن ندعي أنه لم يأت شيء من ذلك هنا، بل جاء ما يؤيد بقاؤه واستمراره كما سترى، فمن ادعى خلاف ذلك، فهو الذي عليه أن يأتي بالدليل الناسخ، وهيهات هيهات.
على أننا قد أثبتنا فيما تقدم من حديث الخثعمية أن الحادثة كانت في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي كانت بعد فرض الجلباب يقيناً، وما أجابوا عنها تقدم إبطاله بما لا يُبقي شبهة.
ويؤيد ذلك قوله تعالى في صدر الآية المتقدمة. . .
{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم. . . وقل للمؤمنات. . .} الآية [النور: ٣٠ ـ ٣١]، فإنها تشعر بأن في المرأة شيئاً مكشوفاً يمكن النظر إليه، فلذلك أمر الله تعالى بغض النظر عنهن، وما ذلك غير الوجه والكفين.
ومثلها قوله - صلى الله عليه وسلم -:
((إياكم والجلوس بالطرقات. . . فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))
رواه البخاري ومسلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:
((يا علي! لا تتبع النظرةَ النظرةَ، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة)) رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي وهو حديث حسن.
وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال:
((سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة؟ فأمرني - صلى الله عليه وسلم - أن أصرف بصري)) رواه مسلم.