والجلباب رداءٌ ساتر من القرن إلى القدم. وقد مر مني أن الخُمُر في البيوت، والجلابيب عند الخروج، وبه شرحت الآيتين في الحجاب:
{وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [النور: ٣١]، والثانية: {يدنين عليهن من جلابيبهن}
[الأحزاب: ٥٩])).
واعلم أن هذا الجمع بين الخمار والجلباب من المرأة إذا خرجت قد أخلَّ به جماهير النساء المسلمات، فإن الواقع منهن إما الجلباب وحده على رؤسهن أو الخمار، وقد يكون غير سابغ في بعضهن، كالذي يسمى اليوم ب (الإشارب)، بحيث ينكشف منهن بعض ما حرَّم الله عليهن أن يظهرن من زينتهن الباطنة، كشعر الناصية أو الرقبة مثلاً.
وإن مما يؤكد وجوب هذا الجمع حديث ابن عباس: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ... } الآية، واستثنى من ذلك: {والقواعد من النساء اللآتي لا يرجون نكاحاً} الآية.
وتمام الآية: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينةٍ وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم} [النور: ٦٠].
وفي رواية عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: {أن يضعن من ثيابهن}، قال: الجلباب.
وكذا قال ابن مسعود.
قلت: فهذا نص في وجوب وضع الجلباب على الخمار، على جميع النساء، إلا القواعد منهن (وهن اللآتي لا يُطمع فيهن لكبرهن)، فيجوز لهن أن لا يضعن الحجاب على رؤوسهن.
أفما آن للنساء الصالحات حيثما كن أن يتنبهن من غفلتهن ويتقين الله في أنفسهن، ويضعن الجلابيب على خمرهن؟!
ومن الغريب حقاً أن لا يتعرض لبيان هذا الحكم الصريح في الكتاب والسنة كل الذين كتبوا اليوم
ـ فيما علمت ـ عن لباس المرأة، مع توسع بعضهم على الأقل في الكلام على أن وجه المرأة عورة، مع كون ذلك مما اُختلف فيه، والصواب خلافه، كما تراه مفصلاً في هذا الكتاب، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
هذا، ولا دلالة في الآية على أن وجه المرأة عورة يجب عليها ستره، بل غاية ما فيها الأمر بإدناء الجلباب عليها، وهذا كما ترى أمر مطلق، فيحتمل أن يكون الإدناء علىالزينة ومواضعها التي لا يجوز لها إظهارها حسبما صرحت به الآية الأولى، وحينئذ تنتفي الدلالة المذكورة، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك، فعليه يشمل الوجه. وقد ذهب إلى كل من التأويلين جماعة من العلماء المتقدمين، وساق أقوالهم في ذلك ابن جرير في ((تفسيره)) والسيوطي في ((الدر المنثور))، ولا نرى فائدة كبرى بنقلها هنا، فنكتفي بالإشارة إليها، ومن شاء الوقوف عليهما فليرجع إليهما.
ونحن نرى أن القول الأول أشبه بالصواب لأمور: