((أن امرأة مرت به تعصفُ ريحُها، فقال: يا أمة الجبار! المسجدَ تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
((ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصفُ ريحُها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل)) رواه البيهقي وغيره وهوحديث صحيح.
ووجهُ الإستدلال بهذه الأحاديث على ما ذكرنا، العموم الذي فيها. فإن الإستعطار والتطيب كما يستعمل في البدن، يستعمل في الثوب أيضاً، لا سيما وفي الحديث الثالث ذكر البخور، فإنه بالثياب أكثر استعمالاً وأخص.
وسبب المنع منه واضح، وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة، وقد ألحق به العلماءُ ما في معناه، كحسن الملبس والحلي الذي يظهر، والزينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرجال.
وقال ابن دقيق العيد:
((وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد، لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال)).
قلت: فإذا كان ذلك حراماً على مريدة المسجد، فماذا يكون الحكم على مريدة السوق والأزقة والشوارع؟ لا شك أنه أشد حرمة وأكبر إثماً، وقد ذكر الهيتمي في ((الزواجر)) أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر، ولو أذن لها زوجها.
ثم إن هذه الأحاديث عامة تشمل جميع الأوقات، وإنما خص بالذكر العشاء الآخرة في الحديث الثالث، لأن الفتنة وقتها أشد، فلا يتوهمن منه أن خروجها في غير هذا الوقت جائز.
وقال ابن الملك:
((والأظهر أنها خُصت بالنهي لأنها وقت الظلمة وخلو الطريق، والعطر يهيج الشهوة، فلا تأمن المرأة في ذلك الوقت من كمال الفتنة، بخلاف الصبح والمغرب، فإنهما وقتان فاضحان، وقد تقدم أن مس الطيب يمنع المرأة من حضور المسجد مطلقاً)).