وَكَانَ مِنَ الشُّعَرَاءِ الْمُجِيدِينَ، وَقَدْ مَدَحَ الْمُسْتَرْشِدَ بَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ سِنْدِ دُبَيْسٍ وَمُفَارَقَتِهِ إِيَّاهُ، دَخَلَ بَغْدَادَ، وَمَدَحَ الْمُسْتَرْشِدَ بِقَصِيدَةٍ يَقُولُ فِيهَا:
نَزَعْتُ رِكَابِي مِنْ دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ ... وَجَاوَرْتُ فِي الزَّوْرَاءِ خَيْرَ إِمَامِ
وَانْحَدَرَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى أَبِي الْمُظَفَّرِ بْنِ حَمَّادٍ بِالْبَطَائِحِ، فَخَطَرَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ، قَصَدَ هِنْدِيًّا رَجُلا مِنَ الأَكْرَادِ أَمِيرًا يَنْزِلُ الزَّابَ، فَمَدَحَهُ بِقَصِيدَةٍ أَوَّلُهَا:
أَجَأٌ وَسَلْمَى أَمْ بِلادُ الزَّابِ ... وَأَبُو الْمُظَفَّرِ أَمْ غَضَنْفَرُ غَابِ
رَفَعَ الْمَنَارَ بَنُو زُهَيْرٍ بِالْعُلَى ... بِالْفَارِسِ الْمُتَغَطْرِفِ الْوَثَّابِ
فَأَعْطَاهُ فَرَسَيْنِ وَخَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ، وَفِرَقًا مِنَ الْغَنَمِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غِلْمَانِهِ قِبَاءً وَقَلَنْسُوَةً، وَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُنْشِدُهُ: وَاللَّهِ لا أَقْعُدُ فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْيَوْمَ قَدْ عَلا نَسَبِي وَارْتَفَعَ قَدْرِي.
وَعَادَ مِنْ عِنْدِهِ، وَلَمْ يُتِمَّ قَصْدَهُ إِلَى ابْنِ حَمَّادٍ، وَقَالَ: عَوَّلْنَا عَلَى قَصْدِ أَبِي الْمُظَفَّرِ.
فَأَمْجَدْنَا هِنْدِيُّ ذَهَبًا وَخَيْلا وَغَنَمًا وَثِيَابًا.
وَمِنْ شِعْرِهِ مَا قَالَهُ فِي أَبِي مَنْصُورٍ مَوْهُوبِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَضِرِ الْجَوَالِيقِيِّ، وَالْمَغْرِبِيِّ الْمُعَبِّرِ يَهْجُوهُمَا:
كُلُّ الذُّنُوبِ بِبَلْدَتِي مَغْفُورَةٌ ... إِلا اللَّذَيْنَ تَعَاظَمَا أَنْ يُغْفَرَا
كَوْنُ الْجَوَالِيقِيِّ فِيهَا مُلْقِيًا ... أَدَبًا وَكَوْنُ الْمَغْرِبِيِّ مُعَبِّرَا
أَأَسِيرُ لَكْنَتِهِ يُمِلُّ فَصَاحَةً ... وَجَهُولُ يَقْظَتِهِ يَقُولُ عَنِ الْكَرَى
هَذَا الشَّيْخُ تَفَقَّهَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْوَزَّانِ بِالرَّيِّ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِالأَدَبِ، وَلَهُ بَاعٌ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ مَعَ فَصَاحَةٍ بَارِعَةٍ، وَخَطٍّ حَسَنٍ، وَشُهْرَتُهُ تُغْنِي عَنِ الإِطْنَابِ فِي حَقِّهِ.
قَالَ أَبُوهُ يَوْمًا: مَا عَرَفْتُ أَنِّي مِنْ بَنِي تَمِيمٍ حَتَّى أَخْبَرَنِي ابْنِي بِذَلِكَ فِي شِعْرِهِ، إِنَّا مِنْ تَمِيمٍ.
مَدَحَ الْوَزِيرَ أَبَا الْقَاسِمِ عَلِيَّ بْنَ طَرَّادٍ الزَّيْنَبِيَّ، وَغَيْرَهُ.