حَتَّى بَايَعَهُ مَنْ بَايَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَصَارَ عَامَّةُ الْعَرَبِ عَلَيْهِ، وَجَاءَ الْقَعْقَاعُ بْنُ شَوِرٍ وَسَبْتُ بْنُ رِبْعِيٍّ، فَقَاتَلُوا حَتَّى ثَارَ اللَّيْلُ بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ عِنْدَ التَّمَّارِينَ عِنْدَ اخْتِلَاطِ الظَّلَامِ، فَقَالَ: وَيْحَكُمُ قَدْ خَلَّيْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَنْهَزِمُوا فَاخْرُجُوا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَانْهَزَمَ مُسْلِمٌ بْنُ عَقِيلٍ فَآوَى إِلَى امْرَأَةٍ فَآوَتْهُ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَثُ فَقَالَ لَهُ، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ: بلَغَنِي أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فِي مِائَةِ فَارِسٍ إِلَى الدَّارِ فَأَخَذَ فَوَاتَهَا، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ وَاللَّهِ لَا أَدَعُ فِي الْكُوفَةِ بَيْتَ مَدَرٍ إِلَّا هَدَمْتُهُ، وَلَا بَيْتَ قَصَبٍ إِلَّا أَحْرَقْتُهُ، فَلَمَّا أَتَى بِمُسْلِمٍ وَقَدْ عَرَّسَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِأُمِّ أَيُّوبَ بِنْتِ عُتْبَةَ، قَالَ: فَأَتَى بِهَانِئِ بْنِ عُرْوَةَ الْمُرَادِيِّ، فَلَمَّا أُدْخِلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: اسْتَأْثَرَ عَلَى الْأَمِيرِ بِالْعُرْسِ، قَالَ: وَهَلْ أَرَدْتَ الْعُرْسَ يَا هَانِئُ، وَرَمَاهُ بِمِجَّنٍّ كَانَ فِي يَدِهِ فَارْتَجَّ فِي الْحَائِطِ، وَأَمَرَ بِهِ إِلَى السُّوقِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِمُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ، فَقَالَ: ائْذَنْ لِي فِي الْوَصِيَّةِ، فَقَالَ: أَوْصِي، فَدَعَا عَمْرَو بْنَ سَعْدٍ لِلْقَرَابَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُسَيْنَ قَدْ أَقْبَلَ فِي سِيَافِهِ وَتِراسِهِ وَأُنَاسٍ مِنْ وَلَدِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَابْعَثْ إِلَيْهِ مَنْ يُحَذِّرُهُ وَيُنْذِرُهُ فَيَرْجِعَ، فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ خِذْلَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَا قَدْ رَأَيْتُ، فَقَالَ لَهُ
عُبَيْدُ اللَّهِ: مَا قَالَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: إِنَّهُ لَا يَخُونُ الْأَمِينُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ، وَقَدْ كَانَ هَيَّأَ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ يَغْزُو بِهِمُ الدَّيْلَمَ، فَقَالَ لَهُ: سِرْ أَنْتَ عَلَيْهِمْ، فَاسْعِنِي، فَأَبَى أَنْ يُعْفِيَهُ وَسَارَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا بِكَرْبُلَاءَ عَرَضَ عَلَيْهِمُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ اخْتَارُوا مِنِّي إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: إِمَّا اللِّحَاقُ بِأَقْصَى مَسْلَحَةٍ لِلْعَرَبِ لِي مَا لَهُمْ وَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِمْ، أَوْ أَلْحَقُ بِأَهْلِي وَعِيَالِي فَأَكُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ إِلَّا حُكْمَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ: رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْحُرُّ بْنُ رِيَاحٍ: وَيْحَكُمْ يَعْرِضُ عَلَيْكُمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ لَا تَقْبَلُونَهَا مِنْهُ، فَقَاتَلَ وَضَرَبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
لَنِعْمَ الْحُرُّ حُرُّ بَنِي رِيَاحٍ ... هِزَبْرٌ عِنْدَ مُخْتَلَفِ الرِّمَاحِ
وَنِعْمَ الْحُرُّ إِذْ نَادَى حُسَيْنٌ ... فَجَادَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الصِّيَاحِ
وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بَعَثَ شِمْرَ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ الضَّبَابِيَّ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ قَاتِلَهُ عُمَرُ، وَإِلَّا فَأَنْتَ عَلَى النَّاسِ، فَوَاقَعَهُمْ، فَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ ... أَنَا وَرَبِّ الْبَيْتِ أَوْلَى بِالنَّبِيِّ
مِنْ شَمِرٍ وَشَيْتَ وَابْنِ الدَّعِيِّ ... أَلَا تَرَوْنِي كَيْفَ أَحْمِي عَنْ أَبِي
فَقُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَقُتِلَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَكَانَ الَّذِي احْتَزَّ رَأْسَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ خَوْلِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْأَصْبَحِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute