عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَعْبٌ فِيَما قَرَأْتُ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي مُخَفِّفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مَزِيدٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَحْمَرِ، قَالَ " لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَنُصِبَ رَأْسُهُ بِالْكُوفَةِ وَبُعِثَ بِهِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَرَجَعَ النَّاسُ مِنْ مُعَسْكَرِهِمْ وَتَلَاقَتِ الشِّيَعَةُ بِالتَّلَاوُمِ وَالتَّنَدُّمِ، وَرَأَتْ أَنْ قَدْ أَخْطَأَتْ خَطَئًا كَبِيرًا بِدُعَاءِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِيَّاهُمْ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ وَلَمْ يَنْصُرُوهُ، وَرَأَتْ أَنْ لَا يَغْسِلَ عَنْهُمُ الْإِثْمَ إِلَّا قَتْلُ مَنْ قَتَلَهُ وَالْقَتْلُ فِيهِ، فَفَزِعُوا إِلَى خَمْسَةِ نَفَرٍ مِنَ الشِّيَعَةِ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صَرْدٍ الْخُزَاعِيِّ، وَإِلَى الْمُسَيَّبِ بْنِ نَجِيَّةَ الْفِرَارِيِّ، وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَزْدِيِّ، وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ وَالٍ مِنْ بَنِي تَيْمٍ اللَّاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَإِلَى رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ الْبَجَلِيِّ، ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةَ اجْتَمَعُوا فِي دَارِ سُلَيْمَانَ بْنِ صَرْدٍ، فَاقْتَصَّ الْكَلْبِيُّ عَلَى أَبِي مِخْنَفٍ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْقَوْمُ وَمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ مِنْ خِذْلَانِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَالطَّلَبِ بِدَمِهِ، فَقَالَ عَوْفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَحْمَرِ: يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ وَيَرْثِي الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:
صَحَوْتُ وَوَدَّعْتُ الصِّبَا وَالْغَوَانِيَا ... وَقُلْتُ لِأَصْحَابِي أَجِيبُوا الْمُنَادِيَا
وَقُولُوا لَهُ إِذْ قَامَ يَدْعُو إِلَى الْهُدَى ... وَقَتْلِ الْعِدَى لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ دَاعِيَا
وَقُودُوا إِلَى الْأَعْدَاءِ كُلَّ طِمِرَّةٍ ... عَيُوقٍ وَقُودُوا السَّابِحَاتِ الْمَذَاكِيَا
وَشُدُّوا لَهُ إِذْ سَعَّرَ الْحَرْبَ أَزْرَةً ... لِجَزْيِ امْرئٍ يَوْمًا بِمَا كَانَ سَاعِيَا
وَسِيرُوا إِلَى الْقَوْمِ الْمُحِلِّينَ حِسْبَةً ... وَهُزُّوا الْحِرَابَ نَحْوَهُمْ وَالْهَزَالِيَا
أَلَسْنَا بِأَصْحَابِ الْحَرِيبَةِ وَالْأُولَى
قَتَلْنَا بِهَا التَّيْمِيَّ حَرَّانَ بَاغِيَا
وَنَحْنُ سَمَوْنَا لِابْنِ هِنْدٍ بِجَحْفَلٍ ... كَرُكْنٍ وَنَى تُزْجَى إِلَيْهِ الدَّوَاهِيَا
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا بَيَّنَ الضَّرْبُ أَيَّنَا ... بِصِفِّينَ كَانَ الْأَضْرَعَ الْمُتَفَادِيَا
دَلَفْنَا فَأَلْفَيْنَا صُدُورَهُمُ بِهَا ... غَدَائِذَ زَرْقَاءَ ظِمَاءً صَوَادِيَا
وَمِلْنَا رِجَالًا بِالسُّيُوفِ عَلَيْهِمُ ... نَشُقُّ بِهَا هَامَاتِهِمْ وَالتَّرَاقِيَا
فَذُدْنَاهُمُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَجَانِبٍ ... وَحُزْنَاهُمُ حَوْزَ الرِّعَاءِ الْمَثَالِيَا
زَوَيْنَاهُمُ حَتَّى أَزَالَتْ صُفُوفَهُمْ ... فَلَمْ نَرَ إِلَّا مُسْتَخِفًّا وَكَابِيَا
وَحَتَّى أَذَاعُوا بِالْمَصَاحِفِ وَاتَّقَوْا ... بِهَا دَفَعَاتٍ يَحْتَطِبْنَ الْمَحَامِيَا
وَحَتَّى ظَلِلْتُ مَا أَرَى مِنْ مُعَقَّلٍ ... وَأَصْبَحَتِ الْقَتْلَى جَمِيعًا وَرَائِيَا
فَدَعْ ذِكْرَ ذَا لَا تَيْأَسَنْ مِنْ ثَوَابِهِ ... وَتُبْ وَاعْنُ لِلرَّحْمَنِ إِنْ كُنْتَ عَانِيَا
أَلَا وَانْعِ خَيْرَ النَّاسِ جَدًّا وَوَالِدًا ... حُسَيْنًا لِأَهْلِ الدِّينِ إِنْ كُنْتَ نَاعِيَا
لِيَبْكِ حُسَيْنًا كُلَّمَا ذَرَّ شَارِقٌ ... وَعِنْدَ غَرَقِ اللَّيْلِ مَنْ كَانَ بَاكِيَا