التَّنُوخِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ الْكَاتِبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكِيرٍ، وَبِشْرُ بْنُ عُمَارَةٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ، أَنَّ رَجُلًا قَامَ إِلَى عَلِيِّ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: " إِنَّ الْإِيمَانَ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: عَلَى الصَّبْرِ، وَالْيَقِينِ، وَالْعَدْلِ، وَالْجِهَادِ.
فَالصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى الشَّوْقِ، وَالشَّفَقِ، وَالزُّهْدِ، وَالتَّرَقُّبِ.
فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلَا عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ رَجَعَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا تَهَاوَنَ بِالْمُصِيبَاتِ، وَمَنْ تَرَقَّبَ الْمَوْتَ سَارَعَ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَالْيَقِينُ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى تَبْصِرَةِ الْفِطْنَةِ، وَتَأْوِيلِ الْحِكْمَةِ، وَمَوْعِظَةِ الْعِبْرَةِ، وَسُنَّةِ الْأَوَّلِينَ.
فَمَنْ تَبَصَّرَ الْفِطَّنَةِ تَأَوَّلَ الْحِكْمَةَ، وَمَنْ تَأَوَّلَ الْحِكْمَةَ عَرَفَ الْعِبْرَةَ، وَمَنْ عَرَفَ الْعِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِينَ، وَالْعَدْلُ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى غَائِصِ الْفَهْمِ، وَغَيْرَةِ الْعِلْمِ، وَزَهْرَةِ الْحُكْمِ، وَرَوْضَةِ الْحِلْمِ.
فَمَنْ فَهِمَ فَسَّرَ جَمِيلَ الْعِلْمِ، وَمَنْ عَلِمَ عَرَفَ شَرَائِعَ الْحُكْمِ، وَمَنْ حَلُمَ عَاشَ فِي النَّاسِ وَلَمْ يَفْرُطْ أَمْرُهُ، وَالْجِهَادُ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ، وَشَنَآنِ الْفَاسِقِينَ.
فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظَهْرَ الْمُؤْمِنِ، وَمَنْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْغَمَ الْمُنَافِقَ، وَمَنْ صَدَقَ فِي الْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَمَن شَنِئَ الْفَاسِقِينَ غَضِبَ لِلَّهِ، وَمَنْ غَضِبَ لِلَّهِ غَضِبَ اللَّهُ لَهُ ".
فَقَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا»
١٢١٨ - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقَنَّعِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَنْجِيٍّ الْكَاتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ دُرَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي ابْنَ الْخِضْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ، قَالَ " دَخَلْتُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ خُرَيْمَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَرَأَيْتُهُ قَدْ جَزِعَ جَزَعًا شَدِيدًا فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا الْجَزَعُ الَّذِي أَرَى بِكَ؟ فَبَكَى ثُمَّ أَنْشَأَ، يَقُولُ:
إِنْ ذَكَرْتُ الْمَوْتَ أُبْدِي جَزَعِي ... وَلِمِثْلِ الْمَوْتِ أُبْدِي الْجَزَعَا
وَلَهُ كَأْسٌ بِنَا دَائِرَةٌ ... مَزَجَتْ بِالصَّابِ مِنْهُ السَّلَعَا
كُلُّ حَيٍّ سَوْفَ تَسْقِيهِ وَإِنْ ... مَدَّ فِي الْعِيشَةِ مِنْهَا جَزَعَا
مِنَ الْحِكَايَاتِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمَعَالِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَقِيلِيِّ لِنَفْسِهِ:
" إِذَا اخْضَرَّ عَيْشِي لَمْ أُبَالِ بِعَارِضِي ... أَبَيَّضَهُ الْأَيَّامُ أَمْ دَامَ أَسْوَدَا
فَمَا كُلُّ بَدْءِ الشَّيْبِ يُهْلِكُ عَاجِلًا ... وَلَيْسَ الَّذِي يُعْطَى الشَّبَابَ مُخَلَّدَا