للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّخْصَةُ حَقِيقَةً، ثُمَّ أَحَدُهُمَا أَحَقُّ بِكَوْنِهِ رُخْصَةً مِنْ الْآخَرِ وَنَوْعَانِ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الرُّخْصَةِ مَجَازًا لَكِنَّ أَحَدَهُمَا أَتَمُّ فِي الْمَجَازِيَّةِ أَيْ أَبْعَدُ مِنْ حَقِيقَةِ الرُّخْصَةِ مِنْ الْآخَرِ.

(أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ الَّذِي هُوَ رُخْصَةٌ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَحَقُّ بِكَوْنِهِ رُخْصَةً مِنْ الْآخَرِ (فَمَا اُسْتُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ وَالْحُرْمَةِ كَإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ مُكْرَهًا) أَيْ بِالْقَتْلِ، أَوْ الْقَطْعِ (فَإِنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ قَائِمَةٌ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ لِلْكُفْرِ، وَهُوَ الدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ قَائِمَةٌ فَتَكُونُ حُرْمَةُ الْكُفْرِ قَائِمَةً أَبَدًا أَيْضًا (لَكِنَّ حَقَّهُ) أَيْ حَقَّ الْعَبْدِ (يَفُوتُ صُورَةً لَهُ وَمَعْنًى وَحَقُّ اللَّهِ

ــ

[التلويح]

بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي مَفْهُومِهِ اعْتِبَارًا أَوَّلِيًّا فَيَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ فِي عِبَارَاتِ الْقَوْمِ فِي تَفْسِيرِهَا فَفِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ الرُّخْصَةَ مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ لَوْلَا الْعُذْرُ لَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ وَالْعَزِيمَةُ بِخِلَافِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَلِيلَ الْحُرْمَةِ إذَا بَقِيَ مَعْمُولًا بِهِ وَكَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُ لِمَانِعٍ طَارِئٍ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ لَوْلَاهُ لَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِ، فَهُوَ الرُّخْصَةُ فَخَرَجَ الْحُكْمُ بِحِلِّ الشَّيْءِ ابْتِدَاءً، أَوْ نَسْخًا لِتَحْرِيمٍ، أَوْ تَخْصِيصًا مِنْ نَصٍّ مُحَرِّمٍ. وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْعَزِيمَةَ اسْمٌ لِمَا هُوَ أَصْلٌ مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْعَوَارِضِ. وَالرُّخْصَةُ اسْمٌ لَمَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ، وَهُوَ مَا يُسْتَبَاحُ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ أَنَّ الرُّخْصَةَ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْفِعْلِ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ، وَحُرْمَةُ الْفِعْلِ وَتَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِتَرْكِ الْفِعْلِ مَعَ وُجُودِ الْمُوجِبِ وَالْوُجُوبِ وَفِي الْمِيزَانِ أَنَّ الرُّخْصَةَ اسْمٌ لِمَا تَغَيَّرَ عَنْ الْأَمْرِ الْأَصْلِيِّ إلَى تَخْفِيفٍ وَيُسْرٍ تَرَفُّهًا وَتَوْسِعَةً عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَقَالَ الْعَزِيمَةُ مَا لَزِمَ الْعِبَادَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالرُّخْصَةُ مَا وَسِعَ لِلْمُكَلَّفِ فِعْلُهُ بِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ إمَّا فَرْضٌ) حَصَرَ الْعَزِيمَةَ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفَلِ يَعْنِي قَبْلَ وُرُودِ الرُّخْصَةِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ تَكُونُ الْعَزِيمَةُ حَرَامًا كَصَوْمِ الْمَرِيضِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ، فَإِنَّ تَرْكَهُ وَاجِبٌ فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ الْعَزِيمَةُ قَبْلَ وُرُودِ الرُّخْصَةِ مُبَاحًا، وَلَا حَرَامًا، وَلَا مَكْرُوهًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُبَاحًا لَكَانَتْ الرُّخْصَةُ أَيْضًا مُبَاحًا وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ مَبْنِيًّا عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ لَوْ كَانَ حُرْمَةً، أَوْ كَرَاهَةً لَكَانَ الطَّرَفُ الْمُقَابِلُ فِي أَصْلِهِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِنَاءِ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ إذْ الْمُنَاسِبُ لِلْعُذْرِ، هُوَ التَّرْفِيهُ وَالتَّوْسِعَةُ لَا التَّضْيِيقُ، فَلَا يَكُونُ رُخْصَةً، فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ، أَوْ الْكَرَاهَةُ عَزِيمَةً؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الرُّخْصَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّرَفَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْعَزِيمَةُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الرُّخْصَةُ لَا مُسَاوِيًا لَهُ لِيَكُونَ مُبَاحًا، وَلَا مَرْجُوحًا لِيَكُونَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا وَالرَّاجِحُ إمَّا فَرْضٌ، أَوْ وَاجِبٌ، أَوْ سُنَّةٌ، أَوْ نَفْلٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>