الْإِشَارَةُ تَرْجِعُ إلَى الْمَكْرُوهِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (حَرَامٌ لَكِنْ بِغَيْرِ الْقَطْعِيِّ كَالْوَاجِبِ مَعَ الْفَرْضِ) .
(وَأَمَّا الثَّانِي) الْمُرَادُ بِالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمًا أَصْلِيًّا أَيْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ (فَيُسَمَّى رُخْصَةً وَمَا وَقَعَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ الَّذِي هُوَ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ (فِي مُقَابَلَتِهَا) أَيْ فِي مُقَابَلَةِ الرُّخْصَةِ (يُسَمَّى عَزِيمَةً وَهِيَ إمَّا فَرْضٌ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْعَزِيمَةِ (أَوْ وَاجِبٌ، أَوْ سُنَّةٌ، أَوْ نَفْلٌ لَا غَيْرُ. وَالرُّخْصَةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعَانِ مِنْ الْحَقِيقَةِ أَحَدُهُمَا أَحَقُّ بِكَوْنِهِ رُخْصَةً مِنْ الْآخَرِ وَنَوْعَانِ مِنْ الْمَجَازِ أَحَدُهُمَا أَتَمُّ فِي الْمَجَازِيَّةِ مِنْ الْآخَرِ)
أَيْ نَوْعَانِ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا
ــ
[التلويح]
مَنْشَأُ الْحُرْمَةِ أَكْلُهَا، وَإِذَا قُلْنَا خُبْزُ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ إمَّا مَجَازًا، أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] يُحْمَلُ تَارَةً عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَتَارَةً عَلَى أَنَّ الْقَرْيَةَ مَجَازٌ عَنْ الْأَهْلِ إطْلَاقًا لِلْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ صِفَتَا فِعْلٍ لَا صِفَتَا مَحَلِّ الْفِعْلِ لَكِنْ مَتَى ثَبَتَ الْحِلُّ، أَوْ الْحُرْمَةُ لِمَعْنًى فِي الْعَيْنِ أُضِيفَ إلَيْهَا لِأَنَّهَا سَبَبُهُ كَمَا يُقَالُ: جَرَى النَّهْرُ؛ لِأَنَّهُ سَبِيلُ الْجَرَيَانِ وَطَرِيقٌ يُجْرَى فِيهِ فَيُقَالُ: حُرِّمَتْ الْمَيْتَةُ؛ لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ لِمَعْنًى فِيهَا، وَلَا يُقَالُ: حُرِّمَتْ شَاةُ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَاكَ لِاحْتِرَامِ الْمَالِكِ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ إلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ فَاعِلُهُ أَصْلًا لَكِنْ يُثَابُ تَارِكُهُ أَدْنَى ثَوَابٍ وَمَعْنَى الْقُرْبِ إلَى الْحُرْمَةِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَحْذُورٌ دُونَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ كَحُرْمَةِ الشَّفَاعَةِ فَتَرْكُ الْوَاجِبِ حَرَامٌ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِالنَّارِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَامِ يَسْتَحِقُّ حِرْمَانَ الشَّفَاعَةِ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ سُنَّتِي لَمْ يَنَلْ شَفَاعَتِي» وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ الْمَكْرُوهُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ بَلْ هُوَ حَرَامٌ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ فَعِنْدَهُ مَا لَزِمَ تَرْكُهُ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ يُسَمَّى حَرَامًا وَإِلَّا يُسَمَّى مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ كَمَا أَنَّ مَا لَزِمَ الْإِتْيَانُ بِهِ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِيهِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ يُسَمَّى فَرْضًا وَإِلَّا يُسَمَّى وَاجِبًا
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي) مِنْ قِسْمَيْ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ أَوَّلًا الْمَقَاصِدُ الْأُخْرَوِيَّةُ فَيُسَمَّى رُخْصَةً وَيُقَابِلُهَا الْعَزِيمَةُ فَحُرْمَةُ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ عَزِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ وَإِبَاحَتُهَا لِلْمُكْرَهِ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَصْلِيٍّ بَلْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ.
فَإِنْ قِيلَ: الرُّخْصَةُ قَدْ تَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْوُجُوبِ وَهِيَ مِنْ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فَيَلْزَمُ كَوْنُهَا حُكْمًا أَصْلِيًّا وَغَيْرَ أَصْلِيٍّ، وَلَا مَجَالَ لِتَغَايُرِ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَيْسَتْ حُكْمًا أَصْلِيًّا بِشَيْءٍ مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَكُونُ حُكْمًا أَصْلِيًّا إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ يُخَالِفُ اصْطِلَاحَ الْقَوْمِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِيهِ اخْتِرَاعُ التَّقْسِيمِ الْحَاصِرِ، وَأَمَّا كَوْنُ الرُّخْصَةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودٌ أُخْرَوِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute