للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِعَيْنِهِ (أَصْلًا وَالْفِعْلُ تَبَعًا فَتُنْسَبُ الْحُرْمَةُ إلَى الْمَحَلِّ لِتَدُلَّ عَلَى عَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْفِعْلِ لَا أَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَحَلَّ وَيَقْصِدُ بِهِ الْحَالَ كَمَا فِي الْحَرَامِ لِغَيْرِهِ) فَفِي الْحَرَامِ لِغَيْرِهِ إذَا قِيلَ: هَذَا الْخُبْزُ حَرَامٌ يَكُونُ مَجَازًا بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ أَيْ أَكْلُهُ حَرَامٌ، وَإِذَا قِيلَ: الْمَيْتَةُ حَرَامٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَنْشَأُ الْحُرْمَةِ لَا أَنَّهَا ذَكَرَ الْمَحَلَّ وَقَصَدَ بِهِ الْحَالَ فَالْمَجَازُ ثَمَّةَ فِي الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَهُنَا فِي الْمُسْنَدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: حَرَامٌ إذَا أُرِيدَ بِهِ مَنْشَأُ الْحُرْمَةِ.

(وَالْمَكْرُوهُ نَوْعَانِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَهُوَ إلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ وَمَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ إلَى الْحُرْمَةِ أَقْرَبُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بَلْ هَذَا)

ــ

[التلويح]

حُرْمَةِ الْعَيْنِ أَنَّهَا مُنِعَتْ مِنْ الْعَبْدِ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهَا فَحُرْمَةُ الْفِعْلِ مِنْ قَبِيلِ مَنْعِ الرَّجُلِ عَنْ الشَّيْءِ كَمَا نَقُولُ لِلْغُلَامِ لَا تَشْرَبْ هَذَا الْمَاءَ وَمَعْنَى حُرْمَةِ الْعَيْنِ مَنْعُ الشَّيْءِ عَنْ الرَّجُلِ بِأَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ مَثَلًا، وَهُوَ أَوْكَدُ.

وَثَانِيهِمَا: أَنَّ مَعْنَى حُرْمَةِ الْعَيْنِ خُرُوجُهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْفِعْلِ شَرْعًا كَمَا أَنَّ مَعْنَى حُرْمَةِ الْفِعْلِ خُرُوجُهُ عَنْ الِاعْتِبَارِ شَرْعًا فَالْخُرُوجُ عَنْ الِاعْتِبَارِ شَرْعًا مُتَحَقِّقٌ فِيهِمَا، فَلَا يَكُونُ مَجَازًا وَخُرُوجُ الْعَيْنِ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْفِعْلِ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْفِعْلِ بِطَرِيقٍ أَوْكَدَ وَأَلْزَمَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى احْتِمَالُ الْفِعْلِ أَصْلًا فَنَفْيُ الْفِعْلِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ تَبَعًا أَقْوَى مِنْ نَفْيِهِ إذَا كَانَ مَقْصُودًا، وَلَمَّا لَاحَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ أَثَرُ الضَّعْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الشَّرْعِ قَدْ نُقِلَتْ عَنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ إلَى كَوْنِ الْفِعْلِ مَمْنُوعًا عَنْهُ شَرْعًا، أَوْ كَوْنِهِ بِحَيْثُ يُعَاقَبُ فَاعِلُهُ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ إضَافَةُ الْحُرْمَةِ إلَى بَعْضِ الْأَعْيَانِ مُسْتَحْسَنَةً جِدًّا كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ دُونَ الْبَعْضِ كَحُرْمَةِ خُبْزِ الْغَيْرِ سَلَكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ طَرِيقَةً مُتَوَسِّطَةً، وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ الْحَرَامَ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا يَكُونُ مَنْشَأُ حُرْمَتِهِ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَحُرْمَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَيُسَمَّى حَرَامًا لِعَيْنِهِ.

وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ مَنْشَأُ الْحُرْمَةِ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَحُرْمَةِ أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِنَفْسِ ذَلِكَ الْمَالِ بَلْ لِكَوْنِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ فَالْأَكْلُ مُحَرَّمٌ مَمْنُوعٌ لَكِنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْأَكْلِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَأْكُلَهُ مَالِكُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْمَحَلَّ قَدْ خَرَجَ عَنْ قَابِلِيَّةِ الْفِعْلِ وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ الْفِعْلِ ضَرُورَةَ عَدَمِ مَحَلِّهِ فَفِي الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ الْمَحَلُّ أَصْلٌ وَالْفِعْلُ تَبَعٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَحَلَّ أُخْرِجَ أَوَّلًا مِنْ قَبُولِ الْفِعْلِ وَمُنِعَ، ثُمَّ صَارَ الْفِعْلُ مَمْنُوعًا وَمُخْرَجًا عَنْ الِاعْتِبَارِ فَحُسْنُ نِسْبَةِ الْحُرْمَةِ وَإِضَافَتِهَا إلَى الْمَحَلِّ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْفِعْلِ شَرْعًا حَتَّى كَأَنَّهُ الْحَرَامُ نَفْسُهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْفِعْلِ الْحَالِّ فِيهِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْمَيْتَةِ أَكْلُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَوَاتِ الدَّلَالَةِ عَلَى خُرُوجِ الْمَحَلِّ عَنْ صَلَاحِيَّةِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْحَرَامِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إذَا أُضِيفَ الْحُرْمَةُ فِيهِ إلَى الْمَحَلِّ يَكُونُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، أَوْ عَلَى إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ.

فَإِذَا قُلْنَا: الْمَيْتَةُ حَرَامٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَيْتَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>