للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِيهَا، وَلَمَّا وَجَبَ صِيَانَةُ مَا صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى تَسْمِيَةً، وَهُوَ النَّذْرُ فَمَا صَارَ فِعْلًا أَوْلَى) أَيْ صِيَانَةُ مَا صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى فِعْلًا أَوْلَى بِالْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ: فِعْلًا نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: تَسْمِيَةً وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ تَسْمِيَةً وَفِعْلًا عَلَى الْحَالِ تَقْدِيرُهُ حَالَ كَوْنِهِ مُسَمًّى وَحَالَ كَوْنِهِ مَفْعُولًا.

(وَالْحَرَامُ يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ، وَهُوَ إمَّا حَرَامٌ لِعَيْنِهِ) أَيْ مَنْشَأُ الْحُرْمَةِ عَيْنُ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِمَا.

(وَإِمَّا حَرَامٌ لِغَيْرِهِ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ وَالْحُرْمَةُ هُنَا مُلَاقِيَةٌ لِنَفْسِ الْفِعْلِ لَكِنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لَهُ. وَفِي الْأَوَّلِ)

أَيْ فِي الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ (قَدْ خَرَجَ الْمَحَلُّ عَنْ قَبُولِ الْفِعْلِ فَعَدَمُ الْفِعْلِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَيَكُونُ الْمَحَلُّ هُنَاكَ) أَيْ فِي الْحَرَامِ

ــ

[التلويح]

فَلَا دَوْرَ.

فَإِنْ قِيلَ: بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي لَمْ يَبْقَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ نَفْسُهُ فَضْلًا عَنْ وَصْفِ الصِّحَّةِ وَالْعِبَادَةِ.

قُلْنَا: هَذِهِ اعْتِبَارَاتٌ شَرْعِيَّةٌ حَيْثُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الْحُكْمُ بِالْبَقَاءِ وَالْإِحْبَاطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُثَابَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ بَقَاءِ الْمُؤَدَّى عِبَادَةً قُلْنَا الْمَوْتُ مُنْهٍ لَا مُبْطِلٌ فَجَعْلُ الْعِبَادَةِ كَأَنَّهَا هَذَا الْقَدْرُ بِمَنْزِلَةِ تَمَامِ عِبَادَةِ الْحَيِّ لِلدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِهِ عِبَادَةً.

فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّ صِيَانَةَ الْمُؤَدَّى تَقْتَضِي لُزُومَ الْبَاقِي لَكِنَّ كَوْنَ الْبَاقِي نَفْلًا مُخَيَّرًا فِيهِ يَقْتَضِي جَوَازَ إبْطَالِ الْمُؤَدَّى فَتَعَارَضَا فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْمُؤَدَّى أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ أَيْ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَصَوْنًا لَهَا عَنْ الْبُطْلَانِ وَأَيْضًا الْمُؤَدَّى قَائِمٌ حُكْمًا بِدَلِيلِ احْتِمَالِ الْبَقَاءِ وَالْبُطْلَانِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى مَا هُوَ مُنْعَدِمٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَهُوَ غَيْرُ الْمُؤَدَّى.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُنْذِرَ قَدْ صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى تَسْمِيَةً بِمَنْزِلَةِ الْوَعْدِ فَيَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِمَّا صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى فِعْلًا، وَهُوَ الْمُؤَدَّى، ثُمَّ إبْقَاءُ الشَّيْءِ وَصِيَانَتُهُ عَنْ الْبُطْلَانِ أَسْهَلُ مِنْ ابْتِدَاءِ وُجُودِهِ، وَإِذَا وَجَبَ أَقْوَى الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ لِصِيَانَةِ أَدْنَى الشَّيْئَيْنِ، وَهُوَ مَا صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى تَسْمِيَةً، فَلَأَنْ يَجِبَ أَسْهَلُ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ إبْقَاءُ الْفِعْلِ لِصِيَانَةِ أَقْوَى الشَّيْئَيْنِ، وَهُوَ مَا صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى فِعْلًا أَوْلَى

(قَوْلُهُ: وَالْحَرَامُ) قَدْ يُضَافُ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إلَى الْأَعْيَانِ كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْأُمَّهَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْحِلِّ عَلَى الْحَالِ، أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ حُرِّمَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَنِكَاحُ الْأُمَّهَاتِ لِدَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى الْحَذْفِ. وَالْمَقْصُودُ أَظْهَرُ عَلَى تَعْيِينِ الْمَحْذُوفِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ وَالْمَقْصُودُ الْأَظْهَرُ مِنْ اللُّحُومِ أَكْلُهَا، وَمِنْ الْأَشْرِبَةِ شُرْبُهَا، وَمِنْ النِّسَاءِ نِكَاحُهُنَّ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْحُرْمَةِ هُوَ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ حَرَمُ مَكَّةَ وَحَرِيمُ الْبِئْرِ فَمَعْنَى حُرْمَةِ الْفِعْلِ كَوْنُهُ مَمْنُوعًا بِمَعْنَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ مُنِعَ عَنْ اكْتِسَابِهِ وَتَحْصِيلِهِ وَمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>